مهلا يا دعاة التقليد!! محمد أبو الفتح

التقليد: هو قبول قول الغير بغير حجة (مجموع الفتاوى4/197)، وقد جاء ذمه في كتاب الله في آيات كثيرة منها: قوله تعالى: “وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ”(البقرة170)، وقوله: “وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ”(المائدة104)، وقوله: “وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا”(الأحزاب67).

وجاء ذم التقليد أيضا في السنة النبوية فيما رواه عدي بن حاتم قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب، قال: فسمعته يقول: “اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله”، قال: قلت: يا رسول الله! إنهم لم يكونوا يعبدونهم، قال: “أجل! ولكن يحلون لهم ما حرم الله فيستحلونه، ويحرمون عليهم ما أحل الله فيحرمونه: فتلك عبادتهم لهم” (أخرجه الترمذي (3095)، والبيهقي (10/116) واللفظ له، وحسنه الألباني)، فجعل تقليد الأحبار والرهبان في معصية الله عبادة لهم.
كما جاء ذم التقليد عن الأئمة الأربعة:
1- قال أبو حنيفة: لا يحل لأحد لأن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه.
2- وقال مالك: ليس أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ويؤخذ من قوله ويترك إلا النبي ، وقال رحمه الله: “إنما أنا بشر أخطئ وأصيب فانظروا في رأيي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه”.
3- وقال الشافعي: أجمع المسلمون أن من استبانت له سنة النبي  لم يحل له أي يدعها لقول أحد.
4- وقال أحمد: لا تقلدني ولا تقلد مالكا ولا الشافعي ولا الأوزاعي ولا الثوري وخذ من حيث أخذوا. (انظر هذه الأقوال للأئمة وغيرها في مقدمة صفة الصلاة للألباني ص46 فما بعدها).
وقد تتابع العلماء على ذم التقليد، قال ابن القيم: “قال أبو عمر وغيره من العلماء أجمع الناس على أن المقلد ليس معدودا من أهل العلم وأن العلم معرفة الحق بدليله” (إعلام الموقعين1/7)، وقال ابن عبد البر في جامع بيان العلم (2/990):
لا فرق بين مقلد وبهيـــمـة تنقاد بين جنـــادل ودعاثر
فالأصل في التقليد التحريم، وإنما أجازه العلماء للعامي من باب الضرورة نظرا لعجزه عن فهم الدليل، وأجازوه للعالم إذا عجز عن الاجتهاد لتكافؤ الأدلة، أو لضيق الوقت، أو لعدم ظهور الدليل له (انظر مجموع الفتاوى20/203). فالناس ثلاثة أقسام: مجتهد ومتبع ومقلد، فأما المجتهد فهو الذي توفرت فيه شروط الاجتهاد التي تمكنه من استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها، وأما المتبع فهو الذي لم يبلغ درجة الاجتهاد لقصوره عنها، لكن عنده من الأدوات العلمية ما يمكنه من فهم الأدلة التي استدل بها المجتهدون والترجيح بينها، وأما المقلد فهو العامي الذي لا يستطيع فهم الأدلة (انظر الأقسام الثلاثة في كتاب الاعتصام للشاطبي 3/441).
وقد كلف الله تعالى كلا منهم بحسب استطاعته، فأما المجتهد فيجب عليه النظر في الأدلة الشرعية واستنباط الأحكام منها، ويحرم عليه التقليد مع تمكنه من الاجتهاد، وأما المتبع فيجب عليه النظر في أدلة المجتهد وأخذ الحكم مقرونا بدليله، ولا يجوز له قبول الحكم من غير دليل، وأما المقلد فهو الذي ليس عنده من الأدوات العلمية ما يمكنه من فهم الدليل والنظر فيه، فهذا فرضه أن يقلد من يثق في علمه ودينه من أهل العلم كما قال تعالى: “فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ” (النحل43).
فالعجب من قوم يدعون إلى الجمود على المذهبية الضيقة في عصر الذرَّة وغزو الفضاء، يريدون أن يرجعوا بنا إلى “عصور الانحطاط” في زمان ثورة العلوم الدنيوية، والعجب من آخرين يحاربون الكتاب والسنة تحت غطاء المذهبية مع أنهم يدَّعون “التَّنَوُّر الفكري”، ويصفون غيرهم بـ”الظلامية”، ثم العجب من هؤلاء وأولئك كيف يكرسون المذهبية والجمود الفكري بذريعة الحفاظ على الهوية والخصوصية الثقافية والدينية، في وقت يدعون فيه إلى الانفتاح على الثقافة الغربية، وإلى حوار الأديان، وقبول الرأي الآخر.
فأيها أقرب إلينا المذاهب الإسلامية، أو اليهودية والنصرانية؟!
ولماذا نغلق البر والجو والبحر على الثقافة الإسلامية من جهة الشرق حفاظا على الهوية، ونفتح الأبواب والنوافذ وكل المداخل على مصاريعها للثقافة الغربية الدخيلة على حضارتنا الإسلامية؟!

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *