الاستقامة على دين الله أهمية فهمها والعمل بها

كيف لا تكون الاستقامة مهمة وهي جماع الدين، كما قرر السلف أجمعون بل كما بينه المصطفى عليه الصلاة والسلام في جوابه للسائل عن قول جامع لأمر الدين، فقال: «قل آمنت بالله ثم استقم».

كيف لا تكون مهمة وهي تعني الحفاظ على أهم ما نملكه، وأعز ما نحمله، وأجل ما نفخر به ونتشرف بحمله، ألا وهو دين الله رب العالمين، فحفظ الدين هو هويتنا بين الأمم، وهو شعارنا، هو علمنا، هو رمزنا، هو أمننا، هو رائدنا وإمامنا، فليس لنا هوية إلا هذا الدين، نفخر به ونعتز.
وقد حث الله عليها في كتابه الكريم أمرًا مباشرًا وغير مباشر بها، أو بما يدل عليها ونهيًا عمّا سواها وضدها؛ قال تعالى آمرًا بالاستقامة: (فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ).
وقال في موضعين مادحًا المستقيمين، وهو خبر يفيد معنى الأمر أو في سياق الأمر، وهو أبلغ قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا).
ثم مدحهم، وبيَّن ما أعده لهم من نعيم كما سيأتي.
وذكر في آيات كثيرة فلاح وفوز وصلاح ونجاح المستقيم المصلح لنفسه، الحريص على تزكيتها، البعيد عن تدسيتها، وهي كثيرة في مواضع متعددة من القرآن الكريم؛ فمنها قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}.
وقوله: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى)، وقوله: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى)… إلى غير ذلك من الآيات.
ونهى عما يخالفها وهو ضدها من الشرك والبدع والمعاصي والروغان عن العبادة كما هو روغان الثعالب! والآيات في ذلك كثيرة معلومة أيضًا.
بل ويأمر نبيه محمدًا عليه الصلاة والسلام بالاستقامة في أكثر من موضع، فيقول: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ). ولأهميتها وخطورتها وعظم أمرها تكون أشد آية على رسول الله عليه الصلاة والسلام كما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما:«ما نزلت على رسول الله عليه الصلاة والسلام في جميع القرآن آية كانت أشد ولا أشق عليه من هذه الآية».
بل تكون سببًا لشيبه عليه الصلاة والسلام حيث قال: “شيّبتني هود وأخواتها قبل المشيب”، وفي رواية: “وأخواتها من المفصّل”، وفي رواية: “هود، والواقعة، والمرسلات، وعمّ يتساءلون، وإذا الشمس كورت” سلسلة الأحاديث الصحيحة.
قال بعض السلف: “لما في سورة هود من الأمر له بالاستقامة على الشرع”.
وقال بعضهم: “بل لما في هود من قصص الأمم وهلاكهم، وما فعل الله بهم لما انحرفوا عن الاستقامة، ولما فيها من ذكر أهوال يوم القيامة”.
فالله جل وعلا يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالاستقامة، وهو من هو!!
إنه أعلم الخلق بالله، وأتقاهم له وأخشاهم له وأخوفهم منه وأكثرهم رجاءً لما عنده، وأعظمهم حبًا له، هو المستقيم بل سيد المستقيمين، هو المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؛ هو أفضل من مشى على الأرض؛ بل أفضل الخلق عند الله، هو الشافع المشفع، ومع ذلك كله يؤمر بالاستقامة!! ومع ذلك تكون شديدة عليه!! ورغم ذلت تشيّبه عليه الصلاة والسلام!!
فماذا نقول نحن المقصرون؟! المفرطون؟! المهملون؟! المضيعون؟! إلا من رحم الله.. وفي زمان كزماننا زمان الفتن التي هي كقطع الليل المظلم، فتن الشهوات والشبهات، نسأل الله أن يلطف بنا، وأن يتولانا برحمته، وأن يعاملنا بما هو أهله، هو أهل الثناء والتقوى والمغفرة.
فلأهمية الاستقامة وعظم شأنها وخطورة أمرها كان الموَّفق لها محصِّلاً لأعظم كرامة، كما قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: “أعظم الكرامة لزوم الاستقامة”، وهذا يوجب علينا لزوم فهمها والعمل بها؛ لنحصل على الفوز والنجاة والفلاح، وننجو من الخسران في الدنيا والآخرة، وصدق الله: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.
ففي صحيح مسلم عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال: قلت: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدًا غيرك وفي رواية: (بعدك) . قال: “قل آمنت بالله ثم استقم”.
فهذا القول الموجز المختصر المفيد جمع أمور الدين كلها، وشرح معنى الإسلام الحقيقي؛ ما المقصود منه! وما مفهومه!
وإذا بالجواب الواضح المنير من الذي لا ينطق عن الهوى؛ إن هو إلا وحي يوحى من صاحب جوامع الكلم؛ جواب جامع مانع؛ إنها إيمان صادق بالعقيدة والعبادة والمعاملة والخلق والسلوك الرباني النبوي الصحيح، ثم استقامة على ذلك حتى الممات.
إنها اعتقاد منهج السلف الصالح في العلم والعمل، ثم التزام به، وثبات واستقامة عليه، قال القاضي عياض رحمه الله: “هذا من جوامع كلامه عليه الصلاة والسلام”.
ويقول عليه الصلاة والسلام: “استقيموا ولن تحصوا واعلموا أن خير -وفي رواية: (أفضل)- أعمالكم الصلاة ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن”.
وقال صلى الله عليه وسلم: “سددوا وقاربوا وأبشروا، واعلموا أنه لن يُدخل الجنة أحدًا عمله. قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله بمغفرة ورحمة! واعلموا أن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل”. البخاري ومسلم.
والتسديد هو: الاستقامة والإصابة. والمقاربة هي: القصد.
فما المقصود بها؟ وما معناها؟ وما هو مفهومها عند السلف رضي الله عنهم؟
فهذه أقوال بعضهم في معنى وتفسير قوله تعالى: (اسْتَقَامُوا)، (اسْتَقِمْ):
1- قال صدِّيق هذه الأمة رضي الله عنه: “لم يشركوا به شيئًا، وعنه لم يلتفتوا إلى إله غيره”.
2- وقال الفاروق عمر رضي الله عنه: “الاستقامة: أن تستقيم على الأمر والنهي، ولا تروغ روغان الثعالب”.
3- وقال ذو النورين عثمان رضي الله عنه: “أخلصوا العمل لله”.
4- وقال علي رضي الله عنه: “أدّوا الفرائض”.
وقال ابن القيم رحمه الله ملخصًا ذلك كله بعد عرض أقوال السلف: “الاستقامة كلمة جامعة، آخذة بمجامع الدين كله، وهي القيام بين يدي الله على حقيقة الصدق، والوفاء بالعهد”.
وقال: “والاستقامة تتعلق بالأقوال والأفعال والأحوال والنيات؛ فالاستقامة فيها: وقوعها لله وبالله، وعلى أمر الله”.
أقول: فتبين لنا أن المقصود بالاستقامة: أن تستقيم قلبًا وقالبًا، علمًا وعملاً، منهجًا وغاية وطريقة على منهج السلف الصالح جملة وتفصيلاً في العقيدة والعبادة والمعاملة والخلق والسلوك في الفهم ومنهج التلقي، وطريقة العمل وأسلوب التبليغ والدعوة؛ لا تلتفت يمنة ولا يسرة عن منهج الله عز وجل.
فاللهم وفقنا للاستقامة المسددة، ونور قلوبنا بالأنوار المسعدة، واحجبها عن الحجب الصارفة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *