الإيمان بالغيب

 

المراد بالغيب ما لا يُدرَك بالحواس مما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم صريحا بأنه واقع أو سيقع؛ مثل: وجود الله، ووحدانيته، وصفاته، وأن القرآن كلامه، ووجود الملائكة، والشياطين، وأشراط الساعة، والبعث والروح، والحساب والجزاء.

وقد قسم القرآن الكريم العالَمَ بالنسبة إلى المخلوقات إلى قسمين:

  • عالم الغيب.
  • عالم الشهادة.

وجاءت النصوص القرآنية تشير إلى هذه الحقيقة في آيات كثيرة منها:

قوله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [الحشر: 22]

وقوله تعالى: {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (9) سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ} [الرعد: 8-10].

قال علماء القرآن:

الغيب: كل أمر غائب عن مجال إدراكنا الحسي حسب العادة.

الشهادة: كل أمر نستطيع أن نتوصل إلى شهوده بالوسائل الحسية فينا حسب العادة.

ونلاحظ في النصوص القرآنية أن الله تعالى يقدم الغيب على الشهادة، والحكمة في ذلك أن الأمور المغيبة عنا لا تتناهى سعة ومدى، أما الأمور التي يمكن لنا أن نتوصل إلى شهودها ومعرفتها فهي أمور يسيرة قليلة.

قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء:85].

وأعظم وأهم ما في عالم الغيب ثلاثةُ أشياء:

1 الله سبحانه وتعالى

2 القدر

3 الحياة الآخرة

لذلك كانت هذه الثلاثة؛ أمهات أركان الإيمان الستة التي أخبرنا عنها نبينا صلى الله عليه وسلم في قوله: «الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره»[1].

قال الله تعالى في الثناء على المؤمنين بالغيب: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة: 2، 3].

قال الرازي في تفسيره[2]: “الغيب هو الذي يكون غائبا عن الحاسة، وينقسم إلى ما عليه دليل، وإلى ما ليس عليه دليل.

فالمراد من هذه الآية مدح المتقين بأنهم يؤمنون بالغيب الذي دل عليه دليل؛ بأن يتفكروا ويستدلوا فيؤمنوا به، وعلى هذا يدخل فيه: العلم بالله تعالى وبصفاته والعلم بالآخرة والعلم بالنبوة والعلم بالأحكام وبالشرائع؛ فإن في تحصيل هذه العلوم بالاستدلال مشقة فيصلح أن يكون سببا لاستحقاق الثناء العظيم”اهـ.

أما مُنكرو عالَم الغيب؛ فقال الله تعالى عنهم: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ} [الروم: 7، 8]

إن معرفة الحياة الدنيا ليست بمذمة؛ لأن المؤمنين كانوا أيضا يعلمون ظاهر الحياة الدنيا، وإنما المذموم أن منكري الغيب يعترفون بما يعلمون من ظاهر الحياة الدنيا، وينكرون أن وراء عالم المادة عالم آخر هو عالم الغيب؛ مع أن المنطق يقول: عدم العلم لا يستلزم عدم الوجود.

وخلْق السماوات والأرض وما فيهن من عجائب؛ آيةٌ وحجة على إمكانية الغيب وعجائبه؛ ولذلك قال الله عن المنكرين: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ}.

فلو تفكّر الإنسانُ في القدرة التي خلقتْه وخلقت السماوات والأرض؛ لأدرك بأنها قدرة هائلة لا تعجز عن خلق الحياة الآخرة وغيرها من عالم الغيب، وأن صاحب تلك القدرة حكيم منزه عن العبث؛ وأنه ما خلق السماوات والأرض سُدى وعبثا.

—————-

[1]  حديث مشهور متفق عليه.

[2]  التفسير الكبير (2/ 273).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *