أخذت أوروبا تجند المستشرقين ليكتبوا ضد الإسلام والقرآن بعدما فشلت في النيل منه مباشرة، فالإستشراق لم يكن في أي وقت من الأوقات مجرد بحث علمي كما ينظر إليه بعض المتساهلين، بل كان يخدم بدرجة أولى ونهائية موقف التعبئة الشاملة لدراسة “العدو الإسلامي والنفاذ إليه عن طريق القلم والفكر والسلاح؛ وكلها مداخل أساسية اعتمد عليها الاستعمار التقليدي والجديد على حد سواء لتطويق العالم الإسلامي، وفرض الهيمنة عليه، ولذلك ما انتهت مرحلة الاستعمار القديم وأنماطه حتى بزغ نجم الإستشراق الذي لا يعيش إلا في ظل الحرب، وهذا ما يفسر لنا الحملات الهمجية التي يرفعها الإعلام الغربي باستمرار على الإسلام والمسلمين تحت مسميات مختلفة. وكذلك المطبوعات الغزيرة التي تنهض بها الجامعات بنية إثارة الشكوك وتشويه أحكام الإسلام… {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا} فصلت 40.
وقد ركز المستشرقون في هجومهم هذا على المرأة وعلى أحكامها الذين يدعون أنها تتنافى ومبدأ المساواة بين الرجل والمرأة عندهم، فظهرت في عالمنا الإسلامي حركات التحرر والسفور..ونشروا شبهات مثل:
شبهة النساء شقائق الرجال: انطلاقا من هذا الأصل يقرّر أعداء الحجاب أن النساء والرجال سواء، ولا فرق بين الصنفين في جميع الأحكام..
ولرد هذه الشبهة وإبطالها نقول: إن الفوارق بين الرجل والمرأة الجسدية والمعنوية والشرعية ثابتة قدرًا وشرعًا وطبعا وحسًّا وعقلاً.
وبيان ذلك أن الله سبحانه خلق الرجل والمرأة شطرين للنوع الإنساني: ذكرًا وأنثى، {وَأَنَّهُ خَلَقَ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ} النجم:25؛ يشتركان في عمارة الكون، كلّ بما خصه الله به، ويشتركان في العبودية لله تعالى بلا فرق بين الرجال والنساء في عموم الدين، وبلا فرق أيضًا في عموم التشريع في الحقوق والواجبات كافة؛{مَنْ عَمِلَ صَـٰلِحًا مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَوٰةً طَيّبَةً} النحل:97، لكن لما قدر الله وقضى أن الذكر ليس كالأثنى {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى} في صفة الخِلقة والهيئة والتكوين، ففي الذكورة كمالٌ خِلقي وقوّة طبيعية، والأنثى أنقص منه خِلقة وجبلّة وطبيعةً لِما يعتريها من: حيض وحمل ومخاض وإرضاع وتربية..
فكان من آثار هذا الاختلاف في الخِلقة الاختلاف بينهما في القوى والقدرات الجسدية والعقلية والعاطفية، وفي العمل والأداء والكفاية في ذلك، إضافة إلى ما توصّل إليه علماء الطبّ الحديث من عجائب الدراسات من تفاوت الخلق بين الجنسين.
وهذان النوعان من الاختلاف أنيطت بهما جملة كبيرة من أحكام التشريع، وفي الوظائف وتخصص كل منهما في مجال من مجالات الحياة الإنسانية؛ لتتكامل الحياة، وليقوم كل منهما بمهمته فيها.
فلو حصلت المساواة في جميع الأحكام مع الاختلاف في الخلقة والكفاية لكان هذا انعكاسًا في الفطرة، ولكان هذا هو عين الظلم للمفضول على الفاضل، بل ظلم لحياة المجتمع الإنساني بأسره.. لما يلحقه من حرمان ثمرة قدرات الفاضل، والإثقال على المفضول فوق قدرته.
ولهذا وجدنا الإسلام قد كرم المرأة مقاما مثل الرجل تماما وأنصفها مهاما؛ فلم يكلفها بما لا تطقه، وأسقط عنها كثيرا مما تطقه خلافا للرجل.. وبجانب هذا التكريم ورفض مبدأ المساواة المطلَق فإن هناك قدرًا من المساواة بينهما:
– فالمرأة تساوي الرجل في أصل التكليف بالأحكام الشرعية؛ مع بعض الاختلاف في بعض الأحكام التفصيلية.
– والمرأة تساوي الرجل في الثواب والعقاب الدنيوي والأخروي في الجملة، {وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} التوبة:71.
– والمرأة تساوي الرجل في الأخذ بحقها وسماع القاضي لها.
– والمرأة كالرجل في تملكها لما لها وتصرفها فيه.
– وهي كالرجل في حرية اختيار الزوج، فلا تكره على ما لا تريد.
يتبع إن شاء الله