فقه التسمية على الأضحية

 

 

التسمية واجبة لقول الله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} [الحج: 34]

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما أنهرَ الدمَ، وذُكر اسم الله عليه فكل»[1].

فعلق مشروعية الأكل على شرطين:

الأول: إنهار الدم

وهذا الشرط يتحقق بقطع ثلاثة من أربعة أمور؛ فإن في الحلق أربعة أشياء: المريء والحلقوم والوَدجان؛ قال ابن تيمية: “والأقوى أن قطع ثلاثة من الأربعة يبيح، سواء كان فيها الحلقوم أو لم يكن، فإنّ قطْع الودجين أبلغ من قطع الحلقوم وأبلغ في إنهار الدم”[2].

قلت: ويؤيده ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: «كلْ ما أفرى الأوداج، ما لم يكن قرض ناب أو حز ظفر»[3].

والثاني: التسمية

ولا يجوز الأكل منها إذا لم يُسَمّ عليها؛ لقول الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: 121]

فإن قيل: وما وجه التوفيق بين هذا وبين ما ثبت عن عائشة رضي الله عنها: أن قوما قالوا يا رسول الله، إن قوما يأتوننا باللحم، لا ندري أَذُكِر اسم الله عليه أم لا؟ فقال: «سموا الله عليه وكلوه»[4].

قلت: إن هذا الحديث؛ فيما لم نعلم هل سمي عليه أم لا، بخلاف محل النـزاع، فإنه فيما علم أنه لم يسم عليه أصلا.

وإنما يستفاد من حديث عائشة حمل ذبيحة المسلم على السلامة، كما قال ابن عبد البر في الاستذكار (15/214).

وإنما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك؛ ليعلمهم أن المسلم لا يظن به ترك التسمية على ذبيحته، ولا يظن به إلا الخير، وأمره محمول على ذلك ما خفي أمره، حتى يستبين فيه غيره.

بل إن هذا الحديث إلى قول من قال بوجوب التسمية، أولى من قول من استدل به على الاستحباب؛ فقد قال الصنعاني في سبل السلام (4/153): “بل فيه دليل على أنه لا بد من التسمية؛ وإلا لبَـيَّن له عدم لزومها”[5].

فإذا ترك التسمية ناسيا؛ جاز الأكل كما قال ابن عباس، لعموم قول الله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 286]

 

[1]– متفق عليه.

[2]– الاختيارات الفقهية (ص323)، وانظر: “الذكاة الشرعية وأحكامها” للشيخ صالح الفوزان (ص: 13-14).

[3]– رواه البيهقي (9/278)، وأورده الألباني في الصحيحة (2029).

[4]– رواه البخاري (5507).

[5]– كتاب: “تنوير العينين بأحكام الأضاحي والعيدين”؛ للشيخ مصطفى بن إسماعيل المأربي (ص: 537).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *