من دُرَرِ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ (الحلقة الثانية والعشرون) ذ.محمد أبوالفتح

• الدُرَّة المنتقاة:
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: «اتَّقِ الْمَحَارِمَ؛ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ. وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ؛ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ. وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ؛ تَكُنْ مُؤْمِنًا. وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ؛ تَكُنْ مُسْلِمًا. وَلاَ تُكْثِرِ الضَّحِكَ؛ فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ». أخرجه الترمذي (2475)، وابن ماجه (4357) وحسنه الألباني.
. • تأملات في الدُّرة:
يوصينا النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الدرة بخمس وصايا غالية، تتلخص في:
1. اجتناب محارم الله.
2. الرضى بقسمة الله.
3. الإحسان إلى الجار.
4. حب الخير للناس.
5. اجتناب كثرة الضحك.

ولكل واحدة من هذه الوصايا ما يؤكده، ويشهد له من كتاب الله تعالى أو من سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
* فَمِمَّا يشهد لوجوب اجتناب ما حرم الله: قوله تعالى: “وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ” (النساء14(، وقوله صلى الله عليه وسلم: “احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ” (صحيح الجامع7957 ).
* ومما يشهد للرضى بقسمة الله: قوله تعالى “وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً” (النساء32)، وقوله صلى الله عليه وسلم: «انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلاَ تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لاَ تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ» (مسلم).
* ومما يشهد للإحسان إلى الجار: قوله تعالى: “وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً” (النساء36)، وقوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ” (متفق عليه).
* ومما يشهد لمحبة الخير للناس: قوله تعالى: “وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” (آل عمران104)، وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» (متفق عليه).
* ومما يشهد لقلة الضحك: قول عائشة رضي الله عنها: “مَا رَأَيْتُ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- مُسْتَجْمِعًا قَطُّ ضَاحِكًا حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ، إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ. (متفق عليه).
• وَمَضَاتُ الدُّرة:
في هذه الدرة النبوية من الفوائد:
1- حرص النبي صلى الله عليه وسلم على بذل النصح لأمته.
2- وجوب اجتناب محارم الله تعالى.
3- ترك المحظورات أفضل العبادات، وأن العبادة لا تنحصر في فعل المأمورات.
4- درأ المفاسد (ترك المحظورات) أولى من جلب المصالح (فعل المأمورات).
5- وجوب الرضى بقسمة الله تعالى، وأن الغنى غنى القلب بالقناعة.
6- الترغيب في الإحسان إلى الجار، وأنه ذلك من كمال الإسلام.
7- وجوب محبة الخير للناس، وأن ذلك من مقتضيات الإيمان.
8- أن القلوب تموت كما أنها تمرض، كما قال تعالى في المنافقين من أهل الشبهات: “فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ”، وقال في أهل الشهوات: “فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ”، فإذا سلم القلب من الشبهات والشهوات، فهو القلب الحي السليم، كما قال تعالى: “يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ” (الشعراء:88-89).
9- الإكثار من الضحك من أسباب موت القلوب.
10- مشروعية الضحك المباح من غير إسراف.
11- تعليل الأحكام أدعى إلى الامتثال، كما يدل على ذلك تعليله صلى الله عليه وسلم النهي عن كثرة الضحك، لكن ذلك ليس شرطا في الإذعان عند أهل الإيمان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *