أساسيات في تنشئة الولد الصالح يوسف الميموني

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، الهادي الأمة إلى الطريق المبين، المبعوث معلما ومربيا للعالمين، القائل: (إن الله لم يبعثني معنتا ولا متعنتا، ولكن بعثني معلما ميسرا).[1]

وبعد: فإن ما تعانيه الأمة الإسلامية اليوم من انحلال وتفسخ أخلاقي وتذبذب في العبادات والمعاملات إنما هو بسبب غياب القواعد السيرية الأساسية في التربية وتنشئة الولد المسلم عليها، إذ هي الأساس الذي ينمو عليه هذا الولد المسلم في علاقته مع ربه، وفي علاقته مع غيره من جنسه، وفي أفكاره وثقافته…، وإليك بعض هذه المبادئ الأساسية:

  • تعليم الولد النطق بـ: “لا إله إلا الله محمد رسول الله”، مع العلم بمعناها الصحيح، وهو: “لا إله معبود بحق إلا الله، وأن محمدا عبد من عباد الله، رسول مبعوث من الله إلى عباد الله.
  • تعليم الولد الصلاة في الصغر ليتدرب عليها فيلتزمها في الكبر، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع[2] والتعليم يكون بالوضوء والصلاة أمامهم، والذهاب بهم إلى المسجد، وتشجيعهم على الصلاة في الجماعة، خمسا كانت أو جمعة.
  • تعويد الولد الصوم في صغره ليتعوده ويلتزمه عند بلوغه.
  • تعريف الولد بعبادة الزكاة، وأنها حق الله، تخرج من مال الأغنياء فترد على الفقراء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل -رضي الله عنه- عندما أرسله إلى اليمن ليعلم الناس دين الإسلام، (إن الله فرض عليكم صدقة في أموالكم، تؤخذ من أغنيائكم ويعاد بها على فقرائكم).[3]
  • تعريف الولد عبادة الحج وأنه فرض على كل من استطاع إليه، وأن من كانت عنده استطاعة على الحج ولم يفعل فقد أخل بركن من الأركان الخمسة التي بني عليها الإسلام.

وبالجملة فإنه يجب تعليم الولد أركان الإسلام التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمسة، على أن يوحد الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، والحج)[4]

  • التفريق بين الذكور والإناث في المضاجع عند بلوغ عشر سنين، لئلا يطلع كل منهم على عورة الآخر فيقل الحياء فيقع زنا المحارم والعياذ بالله، قال الرسول صلى الله عليه وسلم (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع)[5].
  • تعليم الولد الإيمان بالغيبيات، من ملائكة، وقدر خيره وشره…، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في جوابه عن سيدنا جبريل حينما سأله عن الإيمان، (أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره).[6]

فالإيمان بالله: هو التصديق بأنه سبحانه موجود موصوف بصفات الجلال والكمال منزه عن صفات النقص وأنه واحد حق صمد فرد خالق جميع المخلوقات متصرف فيما يشاء يفعل في ملكه ما يريد.

والإيمان بالملائكة: هو التصديق بأنهم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون.

والإيمان بالكتب: هو التصديق بالكتب التي أنزلها الله عزّ وجل على رسله، لأنه ما من رسول إلا أنزل الله عليه كتاباً كما قال الله عزّ وجل: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ۚ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۖ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِۗ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)،[7] كما يجب أن يعلم الولد أن جميع الكتب السابقة منسوخة بما له هيمنة عليها وهو القرآن، قال الله عزّ وجل: “وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا”[8]، فكل الكتب منسوخة بالقرآن، فلا يُعمل بها شرعاً، بل العمل بما في القرآن.

والإيمان برسل الله: هو التصديق بأنهم صادقون فيما أخبروا به عن الله تعالى، أيدهم بالمعجزات الدالة على صدقهم، وأنهم بلغوا عن الله رسالاته وبينوا للمكلفين ما أمرهم الله به وأنه يجب احترامهم وأن لا يفرق بين أحد منهم.

والإيمان باليوم الآخر: هو التصديق بيوم القيامة وما اشتمل عليه من الإعادة بعد الموت والحشر والنشر والحساب والميزان والصراط والجنة والنار وأنهما دار ثوابه وجزائه للمحسنين والمسيئين إلى غير ذلك مما صح من النقل.

والإيمان بالقدر: هو التصديق بما تقدم ذكره، وحاصله ما دل عليه قوله تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ)[9]، قال القرطبي: “والله خلقكم وعملكم”،

ومذهب السلف والخلف: أن من صدق بهذه الأمور تصديقاً جازماً لا ريب فيه ولا تردد: كان مؤمنا حقا، سواء كان ذلك عن براهين قاطعة أو عن إيمان جازم.

  • تعليم الولد قراءة القرآن الكريم، والتأدب مع كلام الله تعالى حين قراءته له وعند سماعه من غيره، وأن لا يضع المصحف إلا في الأماكن الطاهرة النظيفة …
  • غرس محبة الله ورسله في قلب الولد.
  • تعليم الولد أن يسأل الله وحده ويستعين به في كل أحواله، لقوله صلى الله عليه وسلم لابن عمه عبد الله بن عباس: (إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله…)[10] الحديث.
  • تعويد الولد الصدق قولا وعملا، وذلك بأن لا نكذب عليه ولو مزاحا، وإذا واعدناه فلنوف بوعدنا، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من قال لصبي: تعال هاك، ثم لم يعطه فهي كذبة ).[11]
  • الحث على صحبة الرفقة الصالحة والتحذير من الرفقة السيئة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل الجليس الصالح والسوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك: إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحا خبيثة)،[12].

وأصل الكلام “مثل الجليس الصالح كحامل المسك، ومثل الجليس السوء كنافخ الكير”. ومعنى الحديث: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- شبه الجليس الصالح في دينه وخلقه بمن يحمل معه مسكاً، وشبه جليس السوء بمن ينفخ كيراً -وهو آلة من الجلد ينفخ بها الحداد على النار-، ثم بين وجه الشبه في قوله: “فحامل المسك إمّا أن يحذيك” أي فإذا جلست إلى حامل المسك لا بد أن تنتفع منه لأنه إما أن يهديك من الطيب الذي معه، “وإما أن تبتاع منه” أي تشترى منه مسكاً، “وإما أن تجد منه (أى تشم منه) رائحة طيبة وكذلك الجليس الصالح إما أن يفيدك بعلمه أو بنصحه وتوجيهه، أو حسن سلوكه بالاقتداء به.

“ونافخ الكير” إذا صحبته لا بد أن يؤذيك فهو “إما أن يحرق ثيابك” من الشرر المتطاير “وإمّا أن تجد منه ريحاً خبيثة” من الدخان الذي يتصاعد من ناره فتشمّ منه رائحة كريهة تخنق أنفاسك، كذلك جليس السوء إما أن يغريك بالسيئة أو تقتدي بسلوكه السيء فتنحرف عن سواء السبيل، وفي الحديث (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل).[13]

  • تربية الولد على الشجاعة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على شدائد الدنيا من مرض وغيره، قال الله تعالى حاكيا عن سيدنا لقمان في وصيته لابنه: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)[14].
  • أن لا نطعم لأولاد المال الحرام، كالرشوة والربا والسرقة…، لأن ذلك سبب في شقائهم وتمردهم وعصيانهم…
  • تعويد الولد استعمال اليد اليمنى في الأخذ والعطاء والأكل والشرب والكتابة …وكذلك التسمية في أول كل عمل خصوصا الطعام والشراب…، وأن يقول الحمد لله عند الانتهاء.

وأحمد الله تعالى على تيسيره هذه الفقرات، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، والتابعين لهم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين.
—————————-
– صحيح مسلم[1]
– سنن أبي داود[2]
– الأموال لابن زنجويه[3]
 – صحيح مسلم[4]
– سنن أبي داود[5]
– صحيح مسلم[6]
 البقرة، الآية: 211- [7]
– المائدة، الآية: 51[8]
– الصافات، الآية: 96[9]
– سنن الترمذي[10]
– مسند الإمام أحمد[11]
– صحيح البخاري[12]
– مسند الإمام أحمد[13]
– لقمان، الآية: 16[14]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *