علموا نساءكم سورة النور ذ.أحمد اللويزة

مقصود هذه السورة ذكر أحكام العفاف والستر، وكتب عمر – رضي الله عنه- إلى أهل الكوفة: “علموا نساءكم سورة النور”.
وقالت عائشة – رضي الله عنها- : “لا تنزلوا النساء الغرف ولا تعلموهن الكتابة وعلموهن سورة النور والغزل ” تفسير الطبري.
إنها سورة النور اسم على مسمى؛ نور من الله وهداية، نور العفة والحياء والقيم، سلطه الله على ظلمات الانحلال والوقاحة والاستهتار، فانبلج صبح الطهارة والوقار.
سورة بدأها الله بأسلوب غريب وهو قوله تعالى: {سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا}، مما يجعل القارئ أو السامع مشدود الانتباه والتركيز لما تضمنته السورة من أحكام القيم والأخلاق؛ الفردية والأسرية والمجتمعية.
ولما كان المجتمع المسلم مستبصرا بنورها كان مجتمع طهر وصفاء ونقاء، لا يشكوا تمردا أخلاقيا، ولا عوجا سلوكيا، ولا مشاكل اجتماعية متعلقة بالقيم. بعيدا عن التفكك الأسري والخيانة الزوجية والشذوذ، لا يعرف شيئا من قبيل الأمهات العازبات ولا أطفال الشوارع ولا اغتصاب ولا زنا المحارم، ولا أمراض منقولة جنسية، ولا فضائح مدوية ولا ممارسات شائنة… إنه مجتمع إسلامي يهتدي في أخلاقه بسورة النور ونعم المجتمع.
أما اليوم فحاجتنا لهذه السورة ومضامينها الأخلاقية والسلوكية فأشد من أي وقت مضى، لأن ظلام الإباحية أرخى سدوله، وليل المجون البهيم ملأ الأفق، ورائحة الخنا في كل مكان.
ولن يتغير حال الواقع إلا إذا توقدت مصابيح النور، من خلال بث الحديث عن هذه السورة وتشريعاتها الربانية في كل واد وناد، في المجالس والمنتديات، في المواعظ وعلى منابر الجمعة، عبر الأثير ومن خلال صفحات الجرائد ومواقع الشبكة، في المدارس والبيوت وحديث الأسر والأصدقاء والخلان، حتى يصبح لسورة النور وحديث العفة طنينا في الآذان تحقيقا لمبدأ التحصين الاجتماعي بالتوعية المستمرة، وحتى تنقشع غيوم ما نحن فيه من ابتذال أخلاقي وسلوكي ولفظي طغى حتى بلغ الزبى، وتمادى فيه الناس حتى تجاوز الخيال.
إنه واقع لا تسمع فيه إلا ذوي الموضة والتعري والعلاقات المحرمة، والمغامرات الشبابية الماجنة، تباه وافتخار، وتنافس غير شريف، صدى ذلك بلغ الإعلام ووسائل التواصل التي ليس لها ضابط أخلاقي، فانتشرت الفضائح والقبائح على صفحات “الفايسبوك” و”التويتر” ” اليوتوب”، وتداولها الجيل التائه في ظلمات الهوى والشهوة عبر رسائل الهاتف و”الانترنيت”.
إلى درجة أن الشباب اليوم لم يعد يخيفه الحديث عن الفضيحة و”الشوهة”، وأنى له ذلك وهو الذي يشارك العالم فضائحه الأخلاقية، حتى إذا تم تطوير تلك المشاهد واستغلالها، انقلب من متباه جسور إلى ضحية بريء.
والإعلام يزكي تلك البراءة المزعومة الموهومة، ويثبتها من خلال ما يستضيفه من محللين يفتقدون لرؤية شرعية أخلاقية متينة كما هو الشأن لبرنامج “مباشرة معكم” على قناة دوزيم حين ناقش هذه القضية، ومما يدل على فساد الرؤية والطرح عند الناس هو استمرار هذه الفضائح وبشكل أقسى وأشد.
عندنا كتاب الله النور المبين، فيه سورة النور، فلنعد إليها فإن أحكامها كفيلة بتطهير المجتمع من كل الرذائل والموبقات التي صارت هي العنوان الأبرز فيه، وجعله مجتمعا راقيا بأخلاقه محافظا على شرفه وكرامته.
وقد بدأت هذه السورة بالحديث عن الزنا أخطر ممارسة لا أخلاقية تقض أركان المجتمع وتحيله خرابا بعد عمران، وأثرا بعد عين، فبين الله عز وجل عقوبة الزناة الشديدة لتناسب عظم الجرم، ثم حذر بعدها من قذف المحصنات، حتى تبقى أعراض العفيفات في الحفظ والصون، وليست لقمة سائغة على ألسنة الطاعنين المستهترين، بعيدة عن تصفية الحسابات والانتقام، وقد جعل الله لهم من العقوبة ما هو كفيل بزجرهم، ومنع كل من تسول له نفسه أن يمس عرضا شريفا بسوء.
هذا العرض الذي يعد خطا أحمر عند المسلم الأبي الغيور، والطعن فيه يعتبر ضربة في الصميم وإصابة في مقتل، وذلك ما حاوله المنافقون بالمدينة الذين سلكوا كل السبل من أجل محاربة الإسلام فلم يفلحوا، فوقع رأيهم الخسيس على الطعن في عرض المصطفى عليه الصلاة والسلام، من خلال اتهام الطاهرة المطهرة عائشة رضي الله عنها بالزنا، فكان للحدث وقعا قويا وأثرا كبيرا على الدعوة الإسلامية، وحدثت رجة كبيرة لدى المسلمين لم يوقف امتدادها إلا نزول الوحي ببراءة الحََصان الرزان، كما بينت ذلك السورة عند الحديث عن واقعة الإفك.
ثم إن صيانة المجتمع وحفظ كرامته وشرف أفراده، لا يتحقق دون تربية للفرد والأسرة على الفضائل والقيم النبيلة، من أجل ذلك دعت السورة إلى غص البصر، وحجاب المرأة المسلمة، وبيان حدود كشف العورة. وآداب الاستئذان عند دخول البيوت، فضلا عن آداب استئذان الأطفال داخل البيت عند إرادة الدخول إلى غرفة الوالدين، حتى ينشأ ناشئ الفتيان على ما كان عوده أبواه عليه من الحياء والحشمة، وحتى لا يرى أمه في لباس لا يليق أن يراها فيه، ولكن يا أسفى!
فإن ما لا يليق بالغلام أن يراه من محارمه صار يراه القريب والبعيد والمحرم والغريب، يحصل هذا وفي السورة ذكر لمسائل الزواج والإحصان، ودعوة لإنكاح الصالحين، وأن قدر الله الكوني الذي لا يتخلف، ولن تجد لسنة الله تبديلا؛ أن الطيبات للطيبين، والخبيثاث للخبيثين، والنتيجة “البلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا”.
فإلى الله المشتكى من أمة جعل الله لها لكل داء دواء، ولكل مشكلة حلا، ولكل نبل سبيلا، فاتخذت كل ذلك ورائها ظهريا، وصارت تبحث عن الرفعة في مزابل الحضارات المادية وقماماتها، فلم يزدها ذلك إلى تخلفا وتقهقرا، وظلاما وهوانا.
فإلى سورة النور عباد الله من المؤمنين، حتى ينور الله بيوتنا وشوارعنا ومؤسساتنا ومدارسنا.. بنور الستر والعفة والفضيلة، وإلا فإن الله في خاتمتها قد توعد قائلا {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْيُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
نعم إنها فتن وأنواع من العذاب نعيشها، لكن أكبر مصيبة هي فقدان الشعور بهذا العقاب الإلهي نتيجة التفريط في شرعه وهديه وما أنزله في كتابه؛ وسورة النور على ذلك خيرمثال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *