آيات تفهم على غير وجهها سورة البقرة -2- إبراهيم الصغير

– قوله تعالى: {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} (الآية: 57).
كلمة {الْمَنَّ} تفهم على غير وجهها.
قال الإمام ابن جرير الطبري: «اختلف أهل التأويل في صفة المن؛ قال قتادة: كان المن ينزل عليهم مثل الثلج، وقال آخرون: هو شراب، وعن الربيع بن أنس قال: المن شراب كان ينزل عليهم مثل العسل، فيمزجونه بالماء ثم يشربونه، وقال آخرون: المن: العسل، وقال ابن زيد: المن: عسل كان ينزل لهم من السماء، وعن ابن عباس قال: المن: الذي يسقط من السماء على الشجر فتأكله الناس».
قال ابن عطية رحمه الله: «والمن صمغة حلوة، هذا قول فرقة، وقيل: هو عسل، وقيل: شراب حلو، وقيل: الذي ينزل اليوم على الشجر، وقيل: المن خبز الرقاق مثل النقي، وقيل: هو الترنجبين، وقيل الزنجبيل، وفي بعض هذه الأقوال بعد، وقيل: المن مصدر يعني به جميع ما من الله به مجملا».
– قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ} (الآية: 78).
{أَمَانِيَّ} كلمة تفهم على غير وجهها.
قال القرطبي: «والأماني جمع أمنية وهي التلاوة، وأصلها أمنوية على وزن أفعولة، فأدغمت الواو في الياء فانكسرت النون من أجل الياء فصارت أمنية، ومنه قوله تعالى: {إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته} أي إذا تلا ألقى الشيطان في تلاوته».
وقال كعب بن مالك في حق عثمان ابن عفان رضي الله عنه:
تمنى كتاب الله أول ليله وآخره لاقى حمام المقادر
قال ابن الجوزي: «وفي معنى الكلام ثلاثة أقوال: أحدها: أنها الأكاذيب؛ قال ابن عباس: إلا أمانيَّ يريد إلا قولا يقولونه بأفواههم كذبا، وهذا قول مجاهد واختيار الفراء؛ وذكر الفراء أن بعض العرب قال لابن ذئب وهو يحدث: أهذا شيء رويته، أم شيء تمنّيته؟ يريد: افتعلته.
والثاني: أن الأماني: التلاوة، فمعناه: لا يعلمون فقه الكتاب، إنما يقتصرون على ما يسمعونه يتلى عليهم، وهذا قول الكسائي والزجاج.
والثالث: أنها أمانيهم على الله، قاله قتادة».
– قوله تعالى: {وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} (الآية: 123).
كلمة {عدل} تفهم على غير وجهها، فليست هنا ضد الظلم.
قال أبو جعفر الطبري: «والعدل -في كلام العرب بفتح العين-: الفدية».
وذكر أقوال أبي العالية، والسدي، وقتادة، وغيرهم في ذلك.
قال ابن عباس: «{ولا يؤخذ منها عدل} قال: بدل، والبدل: الفدية».
ويعلق الطبري قائلا: «وإنما قيل للفدية من الشيء والبدل منه «عدل»، لمعادلته إياه وهو من غير جنسه، ومصيره له مثلا من وجه الجزاء، لا من وجه المشابهة في الصورة والخلقة، كما قال جل ثناؤه: {وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْهَا} (الأنعام: 70) بمعنى: وإن تفد كل فدية لا يؤخذ منها».
يقول القرطبي: «قوله تعالى: {ولا يؤخذ منها عدل} أي فداء، والعدل بفتح العين الفداء، وبكسرها المِثل، يقال عِدْلٌ وَعَدِيلٌ للذي يماثلك في الوزن والقدر، ويقال عَدْلُ الشيء هو الذي يساويه قيمة وقدرا وإن لم يكن من جنسه؛ والعدل (بالكسر) هو الذي يساوي الشيء من جنسه وفي جرمه، وحكى الطبري: أن من العرب من يكسر العين من معنى الفدية».
فالْعَدْلُ هنا: بمعنى الفداء.
– قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (الآية: 143).
{إيمانكم} لا تعني الإيمان الذي يقابل الكفر، بل المقصود بها هنا الصلاة.
قال القرطبي: «قوله تعالى: {وما كان الله ليضيع إيمانكم}، اتفق العلماء على أنها نزلت فيمن مات وهو يصلي إلى بيت المقدس، كما ثبت في البخاري من حديث البراء بن عازب، وأخرج الترمذي عن ابن عباس قال: لما وجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة قالوا: يا رسول الله، كيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس؟ فأنزل الله تعالى: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} الآية، قال: هذا حديث حسن صحيح.
فسمى الصلاة إيمانا لاشتمالها على نية وقول وعمل».
في تفسير المراغي: «{وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ} أي وما كانت حكمة الله ورحمته تقضى بإضاعة إيمانكم الباعث لكم على اتباع الرسول في الصلاة وفي القبلة، فلو كان تحويل القبلة مما يضيع الإيمان بتفويت ثواب كان قبله لما حولها، وفي هذا بشرى للمؤمنين المتبعين للرسول بأن الله يجزيهم الجزاء الأوفى، ولا يضيع أجرهم ولا ينقصهم منه شيئا».
يقول العلامة التونسي الطاهر بن عاشور: «فإن فسر الإيمان على ظاهره كان التقدير ليضيع حق إيمانكم حين لم تزلزله وساوس الشيطان عند الاستقبال إلى قبلة لا تودونها، وإن فسر الإيمان بالصلاة كان التقدير ما كان الله ليضيع فضل صلاتكم أو ثوابها، وفي إطلاق اسم الإيمان على الصلاة تنويه بالصلاة لأنها أعظم أركان الإيمان، وعن مالك: إني لأذكر بهذا قول المرجئة الصلاة ليست من الإيمان».
ويقول العلامة محمد الأمين الشنقيطي: «قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} أَيْ: صَلَاتَكُمْ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ عَلَى الْأَصَحِّ».
– قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ} (الآية: 180).
كلمة {خيرا} هنا أي مالا، وقد وردت كلمة «الخير» في القرآن الكريم على ثمانية معان، منها المال، وهو المقصود هنا.
قال القرطبي: «{إن ترك خيرا} والخير المال، كقوله: {وما تنفقوا من خير} (البقرة: 272)، {وإنه لحب الخير} (العاديات: 8)».
قال ابن كثير: «وقوله {إن ترك خيرا} أي: مالا، قاله ابن عباس، ومجاهد، وعطاء، وسعيد بن جبير، وأبو العالية، وعطية العوفي، والضحاك، والسدي، والربيع بن أنس، ومقاتل بن حيان، وقتادة، وغيرهم.
وقالوا بأن هذا الخير لا يكون إلا مالا كثيرا».
يقول العلامة السعدي: «{تَرَكَ خَيْرًا} أي: مالا، وهو المال الكثير عرفا».
والله تعالى أعلى وأعلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *