الإسلام كرم المرأة.. والمرأة جوهرة مصونة.. شعارات باتت تستفز محمد رفيقي (أبو حفص)، لأنها بالنسبة له (كْذُوب)، طبعا لا يمكن لمن يكنى بأبي حفص أن يهاجم الدين مباشرة ويتهمه بتكريس مثل هذا الخطاب القديم المتخلف، لكنه تقليدا لأسوته ممن سبقه من العلمانيين، فإنه يهاجم قراءة النصوص الدينية، ويستهدف المسلمين الذين لازالوا يعتقدون في هذه الأحكام ويعملون بها.
وفي هذا الإطار صرح رفيقي في برنامج قفص الاتهام على إذاعة ميدي راديو اليوم الجمعة فاتح شوال 1438هـ (28-04-2017)، أن مثل هذا الكلام لم يعد مقبولا، وقال: “كيف تدعي أن الإسلام يكرم المرأة وأنت تقول لي ثلاث تقطع صلاة الإنسان المرأة والحمار والكلب الأسود”.
وأضاف: “أين هو هذا التكريم، أنت الذي تسيء إلى الإسلام لما تثبت صحة هذه الروايات، لما تقول لي المرأة ناقصات عقل ودين، المشكل في قراءة الدين.. والقرآن بالنسبة له ليس فيه ناقصات عقل ولا أن المرأة تقطع الصلاة، هذه روايات تراثية أدعو إلى إعادة النظر فيها”.
المثير أن مثل هذا الكلام -وبالحرف- قاله شخص آخر استضافته القناة الثانية 2M، وقاله أشخاص آخرون في هذا المنبر وغيره، وطعنوا كما فعل رفيقي في نصوص في الصحيحين.
فظاهر أن رفيقي، وفق ما أكده عدد من المتدخلين، ليس غير ضابط لمعنى النصوص الشرعية التي يتحدث عنها ويدعي فهمها فحسب، ولكنه لا يعدو أن يكون ببغاء يكرر شبهات قديمة بالية أكل عليها الدهر وشرب.
فمثلا بالنسبة للحديث الذي انتقده، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ما قال “النساء ناقصات عقل ودين” أو” المرأة ناقصة عقل ودين”، لا أبدا، وإنما قال باللفظ، كما جاء عند البخاري ومسلم: «يا معشر النساء، تصدقن، وأكثرن الاستغفار؛ فإني رأيتكن أكثر أهل النار. فقالت امرأة منهن جزلة (أي: فصيحة ذات عقل ورأي ووقار): وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النار؟ قال: تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، وما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن. قالت: يا رسول الله، وما نقصان العقل والدين؟ قال: أما نقصان العقل، فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل، فهذا نقصان العقل، وتمكث الليالي ما تصلي، وتفطر في رمضان، فهذا نقصان الدين» اللفظ لمسلم:237.
والفرق بين ما قاله سيد الخلق -صلى الله عليه وسلم- وما ادعاه رفيقي واضح بين، ومعنى نقصان العقل والدين في نص الحديث النبوي؛ لا يحتاج إلى تفسير أو تشغيب؛ إلا ممن أشرب قلبه هوى اللائكية ومعارضة الوحي، فهذا نقول له أن الشارع الحكيم سوَّى بين الرجل والمرأة في أصل الخلقة والتكليف، لكن اختص كل واحد منهما بأحكام دون الآخر لما يناسب فطرته وطبيعته ووضعه في المجتمع.
فنقصان دين المرأة لا يعني نقصان التدين؛ فهي لا تصلي ولا تصوم إن حاضت أو نفست، بخلاف الرجل فهو يصوم رمضان كله، ويصلي الصلوات الخمس كل يوم، وأما نقصان العقل فليس معناه نقص في القدرات العقلية للمرأة؛ أو أن عقلها أضعف من عقل الرجل؛ أو أن تركيبة دماغها مختلفة؛ فكم من امرأة تفوق قدراتها العقلية كثيرا من الرجال، وكم من النساء يفوق تدينهن الرجال.
رفيقي لم يكتف بالطعن في الصحيحين لينتصر لرأي التيار العلماني الذي رفع هذه المطالب قبل أن يستيقظ هو (من دار غفلون)، بل زعم أن الزعيم علال الفاسي قد “تكلم في تعدد الزوجات وانتقده”.
نعم الزعيم علال رحمه الله طالب بوقف العمل بالتعدد، لكن عن أي تعدد كان يتحدث؟ وما السبب وراء ذلك؟
الزعيم الاستقلالي لم يتحدث عن المنع وفق الطرح العلماني اللاديني، وإنما عن تقييده وفق الضوابط الشرعية، والتعدد تعتريه الأحكام الخمسة كما هو معلوم، والسبب وراء ذلك وفق ما سطره في “النقد الذاتي” هو عدم انضباط بعض الأمازيغ بأحكام الشريعة الإسلامية فيما يخص التعدد -الذي كان فاشيا-، وبسبب أن العرف البربري لم يتمتع بالإصلاح الإسلامي -وفق قوله-، وكان الأمازيغ آنذاك يعددون بما فوق الأربع.
من أجل ذلك ختم بحثه حول التعدد بقوله “إن هذه الأحكام صريحة الدلالة ومجمع عليها من طرف المذاهب الإسلامية كلها، وهي منع التعدد مطلقا عند الخوف من الظلم، وإباحته حتى الأربع عند تيقن العدل. لكن الذي مضى عليه عمل المسلمين هو ترك هذا الأمر لوجدان الرجل الذي يحكم على نفسه هل يقرر أن يعدل أو لا، وذلك هو الأصل في تطبيق الشرائع كلها، لأن الدين يتوجه قبل كل شيء للأفراد وضمائرهم”. (النقد الذاتي؛ ص:240-243).
رفيقي لا يملك اليوم شيئا يميزه عن غيره سوى انقلابه على مرجعيته ومهاجمته لرفقائه السابقين في الحركة الإسلامية، فهو لا يعدو أن يكون أداة وظيفية في يد التيار الاستئصالي، سرعان ما سيتم إهمالها بعد استنفاذ الغرض منها.