لماذا اخترنا الملف؟

لا يخفى على أحد أن شريحة الشباب تمثل العمود الفقري لأي تقدم وتطور في حياة الشعوب والأمم، وذلك لأن مرحلة الشباب مرحلة قوة بين ضعفين، ضعف الطفولة، وضعف الشيخوخة، وهي فترة العمل والعطاء، والحيوية والنشاط، والإنتاج والإبداع.
فإذا صلح الشباب صلح المجتمع، وإذا فسد وانحرف كان لذلك أثره البليغ على تقدم المجتمع وازدهاره، وفي ظل الواقع الذي نعيشه هناك معوقات تنال من هذه الشريحة وتدفعهم إلى هوة الانحراف السحيق، فضعف الوازع الديني، وضعف التربية والرعاية من قبل الوالدين والمؤسسات التعليمية، وانتشار المخدرات والإجرام، وتيسير سبل الزنا مع صعوبة الزواج، والغزو الفكري المدمر، ووسائل الإعلام الهدامة، والبطالة وقلة فرص الشغل، والتناقض الصَّارخ بين المقررات التعليمية وحاجيات سوق العمل.. هذه المعوقات تدفع الشباب إلى فقد الأمل في الحياة والانغماس في براثين الشهوات والخروج عن المسار الذي ننشده جميعا.
فماذا يستطيع الشاب أن يفعل وهو يذهب إلى الجامعة فيجد زميلاته عرايا لا حياء ولا أدب؟ ثم يركب وسيلة النقل فيحشر فيها حشراً ويجد الأجساد قد تلاصقت، والعري أمامه وخلفه، ثم يسير في الشارع فيجد مثل ذلك، ثم يذهب إلى بيته مشتتاً فيفتح التلفاز فيجد الرذيلة بعينها، ثم يفتح جريدة أو كتاب فيجد مشاهد إباحية أو قصة غرامية.. فلو فسد بعد ذلك وانحرف فإن المسؤولية لا تقع عليه وحده، وإنما هي مسؤولية المجتمع الذي لم يستطع أن يوفر له جواً نقياً نظيفاً يساعد الشباب على الاستقامة.
إن الميزانية التي ترصد لبعض الوزارات كوزارة الثقافة ووزارة الشباب الهدف منها هو تأطير الشباب المغربي -ذخيرة المستقبل- وفق دينه وانتمائه وهوية بلده، غير أن العكس هو الذي يحصل تماما، فشبابنا اليوم يعاني من تناقض صارخ بين دينه وهويته وما تروجه له مثل هذه الوزارات وبعض وسائل الإعلامية العلمانية من مهرجانات الانحلال والرذيلة كمهرجان “موازين” و”البولفار” وبرنامج “ستوديو 2M” وغيرها.
ثم إن العمل بما تنصُّ عليه الاتفاقيات والمواثيق الدولية ونشر ثقافة حقوق الإنسان ومفهوم الحرية الفردية يحول دون إمكانية سنّ قوانين تكرس تنشئة الشباب على العفة والطهر والدين، حيث لا يمكنُ في ظل ثقافة حقوق الإنسان تجريم الزنا والشذوذ الجنسي والسحاق والتحول الجنسي والردة عن الإسلام والإجهاض والعري وترويج الأفكار المخلة بالاعتقاد، وكنتيجة لهذا كله لا يمكن الحديث عن الدين والأخلاق مع هيمنة ثقافة الحداثة الغربية المنسلخة من الدين.
لقد أصبح شبابنا محاصرا من كل جهة بوابل من الشبهات والشهوات، وإن لم نتعاهده بالرعاية والتربية ضاع من بين أيدينا، ومن هنا فعلينا إن كنا نرغب في علاج الانحراف لديه أن نتأمل في جملة الأسباب والعوامل المؤدية للانحراف لتلافيها، وأن نبحث عن المؤسسات القادرة على العلاج والإصلاح لنشملها، وأن لا نحول بين الشباب وعلمائهم، وأن نكف عن الترويج لثقافة الجسد تسفيه العقول، فتضافر المجتمع وتكامل مؤسساته هو أنجع أسلوب للتربية الناجحة للشباب ووقايتهم من السلوكيات الشاذة والمنحرفة.
ولتسليط الضوء على هذه القضية المصيرية التي تمس المجتمع في أسه، ارتأينا فتح هذا الملف.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *