حرية فتاة، فرصة شيطان 2/2 حامد الإدريسي

في العدد الماضي قلنا إن المسألة ليست في أننا نشكك فيك أو في ثقتك بنفسك، بل أنت إن شاء الله واثقة من نفسك، ثابتة على مبادئك، لكننا لا نثق في الفاسدين من أفراد المجتمع الذي أنت فيه، نحن نشكك في الذين من حولك، ممن يكيدون لك المكائد، ويتصيدون قلبك ومشاعرك وتساءلنا: هل سبقك من أخواتك من دخلت هذا الشرك؟ 

أؤكد لك أن كل الفتيات قبلك، كن شامخات بأنفسهن، معتزات بقيمهن المستوردة، تراها الفتاة تحد جديد لقيم قديمة بالية هكذا صُوِّر لها في المسلسلات متعددة الجنسيات، وما تحمله المقررات، وما تفرضه التيارات المستغربة، فيعجبها ما تجده من نفسها من ثبات في بعض المواقف، وتستمتع حينا من الزمن أنها تلعب بالنار ولا تحرق يديها، وأنها وإن مكنت لنفسها ما مكنت فإنها تتجنب السقوط، وتثبت على هذا الجسر المليء بالحفر المهلكة، لكن إبليس أذكى وأنكى، وهذه خطوة من خطواته البعيدة الأمد، حتى إذا ما ظنَّت أنها أميرة قلبها، ومالكة قرارها، دفعها الشيطان خطوة أخرى إلى الأمام، ثم تركها حينا من الدهر كما فعل معها في الخطوة التي قبلها، ثم خطوة أخرى، ثم يحيطها بالملهيات، ويضعف الدين في قلبها، ويملأ عليها حياتها أفلاما ومسلسلات، وممثلين وممثلات، فإذا ما صار قلبها هواء، وامتلأ بالمرح واللهو، وضعف فيه حصن الإيمان والدين، وأحس بأنها صارت في شباك خطواته، بعث إليها شيطانا من شياطين الإنس، يتكلم بلسان معسول، ويجيد التغنج والابتسام، ليس فيه من ملامح الرجولة شيء، فسهل عليها التواصل معه إذ هي لا تحس معه بأنها مع رجل، وصوره لها بصورة الصديق الوفي، أو الأخ الناصح، أو الزميل المعاون… وبعد هذه الخطوات تبدأ الخطوة الأخيرة.
وهنا يبدأ إبليس في صياغة قصته المعروفة باسم الحب، ويمارس معها عذابه للمحبين والعشاق، حتى يذيب إرادتها، ويقتل شموخها، ويستمر معها في هذه القصة حتى نهايتها المعروفة، إلا أن يتدخل اللطف الإلهي، فيجذبها من بين يديه جذبا، ويردها إلى بحر الأمان، لذا قال لنا الحق سبحانه:”لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ”
حريتك أختي المسلمة كفتاة لها الكثير من المتعلقات، فليست قراراتك راجعة عليك أنت فحسب، فلست عضاة في فلاة، بل أنت فلانة بنت فلان بن فلان بن فلان، أخت فلان خالة فلان عمة فلان، وهذا هو الفرق الجوهري بينك وبين من تريدين أن تتبعي ثقافتها، فهي لا علاقة لها بأحد، ولا يهتم لأمرها أحد، ولا يبكي على موتها أكثر من شخصين أو ثلاثة في أغلب الأحيان، بل قد تموت الأم ولا يعرف ابنها بخبرها إلا حين يأتي لزيارتها على رأس السنة، فهي إن ابتذلت رخيصة أصلا، وإن سقطت لم يُسمع لسقوطها صوت، ولم يأسف على رذالتها أب سكير، أو أم سبقتها إلى هذه الطريق.
أختي… هذا الجمال الذي وهبك الله، هل هو ملك لك؟
طبعا، لم يجعل الله ملكه بيدك، وهذا من حكمته سبحانه ورحمته، ولو جعله بيدك، لتسابق الرجال يريدون الحصول عليه دون تحمل مسؤولية، أو حفظ حقوق، ولصرت فرصة لكل من تقع عيناه عليك، لكنه جعل لك وليا رجلا راشدا عاقلا، قد عايش الرجال، وخبر أسرارهم، وعرف خيارهم من شرارهم، واستبطن نواياهم، حتى شاب في ذلك قرناه، فهو يحرص على مصلحتك، ويختار لك من يأخذ هذا الجمال بحقه، ويعاملك المعاملة التي تستحقينها كإنسان.
إن الحرية لم تكن أبدا أن يفعل كل إنسان ما يريد، ولا يمكن أن يقوم مجتمع على أن يفعل كل ما يريد، ولو أردنا أن نطبق مبادئ أوروبا فإن علينا أن نغير الكثير من خصائصنا كرجال، فنلغي الغيرة والكرم والشهامة والنجدة وغيرها من الصفات، بالإضافة إلى إلغاء الدين، واتخاذه ظهريا، وأي أحمق يريد أن يفرط في كل هذا من أجل أن تفعل فتاة طائشة ما تريد! أو أن يلبي فتى غمر نزوة عابرة!
إن الفتاة حين تقع ضحية حب كاذب، فإنها لا تغامر بعذريتها فحسب، بل لعل هذا من أقل الأخطار التي تتهددها إذا ما قارناه بالأخطار الأخرى، فهي مهددة بفقدان كرامتها كإنسان، وهذا أقوى ما يمكن أن يستخدمه الشيطان ليقود ضحاياه إلى حيث يريد، فيشعرهم باليأس والقنوط، ويجعلهم يحسون بالرغبة في العزلة عن المجتمع السليم، ويجعل لهم رفقاء من ضحاياه، وقرناء من أعوانه، ويحتنكهم إلى جهنم أجمعين، إلا مَن رحم الله رب العالمين.
وأخيرا، فما أريده هو أن أطلعك على ما تحت الغطاء، لتعرفي أن هذا الكلام الذي ظاهره فيه الحرية، باطنه فيه الخسران المبين، في الدنيا ويوم الدين، ثم ما ثمة من سعادة، ولا ثمة من تحرر، إنه تحرر من شريعة الرحمن، وارتماء في قيد الشهوة والشيطان، فاستمسكي بقوله تعالى: “فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ” واستشرفي قوله تعالى: “إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً”، ودمت أخيتي معلَمةً للطهر، وعنوانا للفضلية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *