شرح أسماء الله الحسنى:   معنى الأسماء في حق الله تعالى: ناصر عبد الغفور

الغفور الغافر الغفّار هو الله جل في علاه فهو الساتر لذنوب عباده، مهما عظمت، وكلها أسماء متقاربة المعنى، لاتحاد اشتقاقها، إذ كلها من “الغفر”، “ومعنى الغفر في الله سبحانه هو الذي يستر ذنوب عباده ويغطيهم بستره”([1]).

– “[الغَفَّار والغَفُور] وهما من أبنِية المُبالَغة ومعْناهما السَّاترِ لذُنوبِ عِبَاده وعُيوبهم المُتَجاوِز عَن خَطَاياهُم وذنوبهم. وأصل الغَفْر: التَّغْطِية. يقال: غَفَر اللّه لك غَفْراً وغُفْراناً ومَغْفِرَةً. والمَغْفِرَة: إلْبَاس اللّه تعالى العَفْوَ للمُذْنِبين”([2]).

– وفي اللسان: “الغَفُورُ الغَفّارُ جلّ ثناؤه وهما من أَبنية المبالغة ومعناهما الساتر لذنوب عباده المتجاوز عن خطاياهم وذنوبهم.

يقال: اللهمَّ اغفر لنا مَغْفرة وغَفْراً وغُفْراناً وإنك أَنت الغَفُور الغَفّار يا أَهل المَغْفِرة، وأَصل الغَفْرِ التغطية والستر، غَفَرَ الله ذنوبه أَي سترها والغَفْر الغُفْرانُ”([3]).

– وما أحسن ما سطره الإمام الغزالي حجة الإسلام عليه رحمة المنان في شرحه لاسم الله الغفّار، يقول: “الغفّار: هو الذي أظهر الجميل وستر القبيح، والذنوب من جملة القبائح التي سترها بإسبال الستر عليها في الدنيا والتجاوز عن عقوبتها في الآخرة، والغفر هو الستر.

وأول ستره على العبد أن جعل مقابح بدنه التي تستقبحها الأعين مستورة في باطنه مغطاة بجمال ظاهره، فكم بين باطن العبد وظاهره في النظافة والقذارة وفي القبح والجمال فانظر ما الذي أظهره وما الذي ستره.

وستره الثاني أن جعل مستقر خواطره المذمومة وإرادته القبيحة سر قلبه حتى لا يطلع أحد على سره ولو انكشف للخلق ما يخطر بباله في مجاري وسواسه وما ينطوي عليه ضميره من الغش والخيانة وسوء الظن بالناس لمقتوه بل سعوا في تلف روحه وأهلكوه فانظر كيف ستر عن غيره أسراره وعوراته.

وستره الثالث مغفرته ذنوبه التي كان يستحق الافتضاح بها على ملأ الخلق وقد وعد أن يبدل سيئاته حسنات ليستر مقابح ذنوبه بثواب حسناته مهما مات على الإيمان”([4]).

– وقال في الغفور: “الغفور: بمعنى الغفّار ولكنه بشيء ينبئ عن نوع مبالغة لا ينبئ عنها الغفّار فإن الغفّار مبالغة في المغفرة بالإضافة إلى مغفرة متكررة مرة بعد أخرى، فالفعّال ينبئ عن كثرة الفعل والفعول ينبئ عن جودته وكماله وشموله فهو غفور بمعنى أنه تام المغفرة والغفران كاملها حتى يبلغ أقصى درجات المغفرة”([5]).

– وقيل: إن “الغفّار والغفور” صيغتي مبالغة لصفة المغفرة لله عز وجل فالغفور على وزن فعول أي كثير المغفرة في العدد والتكرار وأما “الغفّار” على وزن “فعّال” أي يغفر مغفرة عظيمة في قدرها وأثرها فالغفور يناسب كثرة خطايا الخلق وتكرارها، و”الغفّار” يناسب عظيم الإجرام وكبير الآثام، وكلا النوعين من الذنوب واقع من الخلق، فسبحان الله الذي يعامل خلقه بما يناسبهم من أسمائه وصفاته”([6]) ([7]).

– قال الخطابي رحمه الله تعالى في معنى الغفّار: “الستار لذنوب عباده، والمسدل عليهم ثوب عطفه ورأفته، ومعنى الستر في هذا: أنه لا يكشف أمر العبد لخلقه ولا يهتك ستره بالعقوبة التي تشهره في عيونهم”([8]).

– ويقول الزجاج رحمه الله تعالى: “الغفور هو فعول من قولهم غفرت الشيء إذا سترته… وفعول موضوع للمبالغة وكذلك فعال وإنما جاز تكرارهما وإن كانا بمعنى واحد- وأنت لا تكاد تقول في الكلام فلان تروك للفواحش تراك لها وصدوف عن القبائح صداف عنها- لمعنيين:… والوجه الآخر أن هذا يحسن في صفات الله تعالى ذكره وإن كان لا يحسن في أسامي المخلوقين وصفاتهم لأنهم لم يبلغوا قط في صفة من الصفات والله تعالى المتناهي في هذه الصفات التي تمدح بها فيحسن فيه سبحانه من ذلك ما لا يحسن في غيره…”([9]).

– يقول علامة الحجاز السعدي رحمه الله تعالى:” “العفو([10])، الغفور، الغفّار” الذي لم يزل، ولا يزال بالعفو معروفا، وبالغفران والصفح عن عباده موصوفا، كل أحد مضطر إلى عفوه ومغفرته، كما هو مضطر إلى رحمته وكرمه، وقد وعد بالمغفرة والعفو لمن أتى بأسبابها، قال تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى}”([11]).

– يقول العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى:” الغفور: الذي يغفر الذنوب وإن عظمت ويستر العيوب وإن كثرت وفي الحديث القدسي عنه تبارك وتعالى قال: “يا ابن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي يا ابن آدم! لو أنك أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة”([12])([13]).

——————————————–

([1] ) تفسير أسماء الله الحسنى للزجاج:38.

([2] ) النهاية في غريب الحديث والأثر: 3/703.

([3] ) سان العرب: مادة غفر 5/25.

([4] ) المقصد الأسنى: 1/80.

([5] ) المقصد الأسنى: 1/105.

([6] ) النور الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى للشيخ أمين الأنصاري، ص:184.

([7] ) وهذا القول تقريبا عكس القول السابق.

([8] ) شأن الدعاء” 52، نقلا من النهج الأسنى:125.

([9] ) تفسير أسماء الله الحسنى للزجاج:46.

([10] ) ستأتي مدارسة اسم الله “العفو” مستقبلا عن إن شاء الله تعالى.

([11] )  تيسير الرحمن:17.

([12] ) أخرجه الترمذي وحسنه وكذلك حسنه الألباني في صحيح الجامع: ح رقم:4338.

([13] ) شرح أسماء الله الحسنى للشيخ ابن عثيمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *