فصل الخطاب فيما أغضب وزير الرياضة والشباب ابو عبد الرحمن ذوالفقار بلعويدي

وزير الرياضة والشباب بين الفكر المقاصدي وضغط الثقافة الغربية
على إثر ما نشرته جريدة المساء في عددها 1722؛ بخصوص تصريحات وزير الرياضة والشباب محمد أوزين تعقيبا منه على ما صرح به وزير الاتصال مصطفى الخلفي وأذاعه بشأن تركيز عمله في مشروعه الوزاري على منع بث الإشهارات المتعلقة باليانصيب في القنوات العمومية.
حيث جاء تعقيب وزير الرياضة على أن «القضية ليست مسألة حلال أو حرام..»(1).
هكذا نشرت صحيفة المساء الخبر الذي فيه من التنكر لتعاليم الإسلام والمجادلة فيما لا يجادل فيه مسلم بحال، وكأنه يجهل أن القمار في الشرع الإسلامي حكم تحريمه ثابت قطعي صريح العبارة واضح الدلالة لا يقبل التأويل أو التمييع، ولا يملك أحد ولو كان أميرا أو وزيرا إخفاءه أو تجاهله أو المغالطة فيه. بل ما يملك إنسان يحترم عقله أن يماري في مجرد تطلع وزير مسؤول إلى عدم بث إشهارات ألعاب الرهان واليانصيب في القنوات العمومية. ويا ليته كان جدالاً عن علم وجدية وبعد نظر.
فقد خاض للأسف الشديد وزير الرياضة فيما لا معرفة له به، وذلك حينما جعل خطابه مقاصديا، لاسيما أنه ليس من أهل الاختصاص بالعلوم الشرعية بله فقه المقاصد؛ منكرا على وزير الاتصال خطوته هذه بدعوى أنها لا ترقى إلى الغوص في عمق القضية ولمس سببها الأصيل، ولا الكشف عن جوهرها واعتبار مقاصدها.
مبررا وسيلة القمار الخسيسة بالغاية الشريفة، مظهرا سمو قصده وشديد رغبته في إزالة أزمة المعطلين، وسد مصالح الرياضة وحاجات الرياضيين. ولو حطم الملايين.. وأفسد حياة الملايين.. وامتص دماء الملايين، وقادهم ذللاً وصيرهم ماشية ضالة يوجههم حيثما شاء، وفق مصالح رياضته!
غير عابئ فخامته أن القضية المتكلم فيها هي أكبر في حجمها من خطاب سياسي؛ إنها قضية تحرير الإنسان، إنها قضية تحرير الضمير البشري وإعتاقه من أوهام الربح المجاني، وقضية تحرير إرادته من قبضة أرباب مؤسسات القمار. وأكرم ما في الإنسان يا فخامة الوزير حريته. والمقامر مسلوب الحرية، مفتون في حياته.
وكذا دون اعتبار فخامته حقيقة العلاقة في دين الإسلام بين ما هو ديني وما هو اقتصادي، وأن الإسلام دين يتناول في تشريعاته جانب المعاملات المادية. كل هذا كان منه نتيجة انهزام فخامة الوزير واستسلامه للنظريات الاقتصادية الغربية الرأسمالية القائمة في صميمها على تحصيل الربح بأية وسيلة كانت.
وتصوره هذا ناشئ عن تداخل مدلول الدين عند الغربيين القائم على مبدأ فصل الدين عن الدولة في مدلول الدين عند المسلمين حيث يشمل عندهم كل معاملات الإنسان السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية؛ كل هذا بفعل منظار فخامته الغربي الناتج له في مرحلة تعلمه عن ضغط ثقافي في تكوينه العقلي. هذا ليس سرا إنها الحقيقة المتمثلة في تعقيب وزير الرياضة والشباب: «هناك قضايا ومشاكل أكبر يجب أن يتم حلها، قبل أن نتفرغ للإشهارات المغربية للألعاب الرياضية، والحلال والحرام»(1).
مع أن القضية في جوهرها لا تتسع لأكثر من موقفين لا غير، إما أن يكون المرء مسلما أو لا يكون. فإن كان مسلما فمعنى إسلامه أنه يؤمن بالله ربا وبمحمد رسولا وليس له من حيث هو مسلم إلا الاستسلام لشرعه والتزام أحكامه وتطبيق أوامره. أما رفض أحكام الله والإعراض عنها أو اعتقاد أن التقيد بالحلال والحرام عائق لا يمكن أن ينجز معه أي شيء، فمعناه أنه اختار موقف غير المسلم.
مع أن الحقيقة الواقعة لو دقق فخامة الوزير النظر لوجد أن المجتمعات الإسلامية الآن هي في الدرك الأسفل من التخلف والانحطاط والعجز ليس نتيجة التزامها بأحكام الإسلام وتقيدها بمسائل الحلال والحرام، بل هي نتيجة تنكر حكوماتها وتمرد وزرائها وشرود شعوبها وعدم مراعاتهم الفرق بين ما هو حلال وما هو حرام.
وصدق من قال:
قد تُنكر العين ضوء الشمس من رمدٍ وينكر الفم طعم الماء من سقمِ
ثم أوليس القمار حرام؟
أوليس كل محرم في الشريعة الإسلامية تركه مقصود؟
لِمَ وضع الوزير نفسه في هذا الموضع؟
ولقد صدق من قال: مقتل الرجل بين فكيه.

ما لا يتم الحرام إلا به فهو حرام
نعم قد يحصل بالقمار بعض المقصود لكن هذا لا يدل على أنه سائغ التوسل به. فحصول الغرض ببعض الأمور المحرمة لا يستلزم إباحة التوسل بما هو محرم. وإلا فالسارق يحقق مصالحه المباحة بالسرقة، والكاذب يحقق مصالحه بالكذب، وكذا الخائن والزاني والراشي.
وتحقيق الغرض وبلوغ المقصود المباح لا يبرر هذه المخالفات. فإن مشروعية الغاية وحسن القصد، لا يلزم منها الوصول إليها بالوسيلة الفاسدة التي لا يلجأ إليها إلا الضعاف عن تحمل تكاليف وتضحيات الكسب النظيف.
فكون الشيء محرما ليس معناه يا فضيلة الوزير أنه لا تتحقق به مصالح، ولا تحصل به منافع، واللجوء إليه ليس فطنة خبير ولا هو ذكاء حصيف، فإنه قلما يخلو شيء من نفع، وهذا معنى قوله عز وجل: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا}(2)، فمدار الأحكام هو على رجحان الضر أو رجحان النفع.
ولما كان ضرر الميسر أكبر من نفعه كان هو المعتبر في تحريمه. وليس هو وجود النفع أو عدم وجوده. فتحقيق المصلحة يكمن في تحصيل المنفعة الكاملة أو الغالبة، وليس في تحصيل المنفعة القليلة أو المرجوحة.
فمثل وزيرنا الفاضل في توهمه أن القمار مصلحة لما فيه من منفعة مرجوحة ومداخل تعين الوزارة على قضاء مآربها دون اعتباره لما يصحبه من مضار وما ينطوي عليه من مفاسد، تعود على المجتمع بالضرر والشنار، كمثل المريض الذي يستعجل حصول العافية بتناول ما تشتهيه نفسه من الأطعمة طمعا في منفعة اللذة دون كبير اهتمامه لما فيها من مضار تعجل هلاكه.
فالوسائل المفضية إلى الحرام حرام لأن بها يتحقق الحرام. ومن كمال الشريعة الإسلامية أنها إذا حرمت شيئا منعت الوسائل الموصلة إليه، وهذا ما يطلق عليه يا فخامة الوزير عند الأصوليين وعلماء المقاصد قولهم (ما لا يتم الحرام إلا به فهو حرام) ويصطلح عليه عند السادة المالكية بسد الذرائع.
فالإشهار هو وسيلة استثارة، والدعوة أولا إلى منع بث إشهارات القمار على القنوات العمومية فيه إغلاق لأولى نوافذ هذه الآفة، وتضييق لفرص مزاولتها ومحاولة للحيلولة دون تعلق المقامر بمواعيدها.
وهذه مبادرة يستحق صاحبها من الاحترام والتقدير لما فيها من الحكمة والتعقل والمعرفة بما تحتاجه النفس المدمنة وما يعانيه مرضى القمار من آلام تجعلهم أحوج ما يكونوا إلى التدرج بهم خطوة خطوة؛ تساعدهم على الإقلاع الكلي عن هذه الآفة؛ مبادرة لا يباركها إلا المصلحون.
ولقد كان المنتظر أن يكون وزير الرياضة والشباب هو أول من يبارك هذه المبادرة وليس أول من يعيبها ويعارضها ويصد عنها جهارا في تبجح دون خجل أو تحرج بأسلوب فيه من الاستخفاف بأمر الشريعة.

ــــــــــــــــــــ
(1) جريدة المساء العدد 1722.
(2) سورة البقرة الآية 219.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *