– قوله تعالى: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُون} (الآية: 1).
كلمة «يَعْدِلُون» تفهم على غير وجهها.
قال ابن عاشور: «{يعدلون} أي يعدلون بربهم غيره، وقد علم كل فريق ماذا عدل بالله. والمراد يعدلونه بالله في الإلهية».
قال الشيخ الشعراوي: «{يعدلون} من متعلقات كفرهم، أي أنه بسبب كفرهم يسوون الله بغيره، أو يكون المراد أنهم يعدلون: أي يميلون عن الإله الحق إلى غير الإله، أو يجعلون لله شركاء».
قال الطبري: «{يعدلون} يجعلون له شريكا في عبادتهم إياه، فيعبدون معه الآلهة والأنداد والأصنام والأوثان، وليس منها شيء شركه في خلق شيء من ذلك، ولا في إنعامه عليهم بما أنعم به عليهم، بل هو المنفرد بذلك كله، وهم يشركون في عبادتهم إيّاه غيره. فسبحان الله ما أبلغها من حجة، وأوجزها من عظة، لمن فكر فيها بعقل، وتدبرها بفهم».
قال صاحب «أضواء البيان»: «في قوله تعالى {يعدلون}، وجهان للعلماء:
أحدهما: أنه من العدول عن الشيء بمعنى الانحراف، والميل عنه، وعلى هذا فقوله: {بربهم} متعلق بقوله: {كفروا}، وعليه فالمعنى: إن الذين كفروا بربهم يميلون وينحرفون عن طريق الحق إلى الكفر والضلال، وقيل على هذا الوجه: إن «الباء» بمعنى «عن» أي: يعدلون عن ربهم، فلا يتوجهون إليه بطاعة، ولا إيمان.
والثاني: أن «الباء» متعلقة بـ{يعدلون}، ومعنى يعدلون: يجعلون له نظيرا في العبادة، من قول العرب: عدلت فلانا بفلان إذا جعلته له نظيرا وعديلا…».
قال السعدي: «أي يعدلون به سواه، يسوونهم به في العبادة والتعظيم، مع أنهم لم يساووا الله في شيء من الكمال، وهم فقراء عاجزون ناقصون من كل وجه».
– قوله تعالى: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْء} (الآية: 38).
كلمة «الكِتَابِ» تفهم على غير وجهها، فهل المقصود به القرآن الكريم أم اللوح المحفوظ؟
قال القرطبي: «قوله تعالى: {ما فرطنا في الكتاب من شيء} أي في اللوح المحفوظ، فإنه أثبت فيه ما يقع من الحوادث.
وقيل: أي في القرآن، أي ما تركنا شيئا من أمر الدين إلا وقد دللنا عليه في القرآن، إما دلالة مبينة مشروحة، وإما مجملة يتلقى بيانها من الرسول عليه الصلاة والسلام، أو من الإجماع، أو من القياس الذي ثبت بنص الكتاب، قال الله تعالى: {ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء}».
قال البغوي: «{ما فرطنا في الكتاب} أي: في اللوح المحفوظ».
وهذا قول الطبري عن ابن عباس: «{ما فرطنا في الكتاب من شيء} ما تركنا شيئا إلا قد كتبناه في أم الكتاب».
قال العلامة السعدي: «{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} أي: ما أهملنا ولا أغفلنا في اللوح المحفوظ شيئا من الأشياء، بل جميع الأشياء، صغيرها وكبيرها، مثبتة في اللوح المحفوظ، على ما هي عليه، فتقع جميع الحوادث طبق ما جرى به القلم».
قال الأستاذ رشيد رضا: «وقال بعضهم: إن المراد بالكتاب هنا القرآن، ولا يصح أن يكون القرآن أم الكتاب، لأن أم الكتاب شامل له ولغيره من كتب الله تعالى ومن مقادير خلقه».
قال العلامة ابن عاشور: «وقيل: الكتاب القرآن. وهذا بعيد، إذ لا مناسبة بالغرض على هذا التفسير، فقد أورد كيف يشتمل القرآن على كل شيء. وقد بسط فخر الدين بيان ذلك لاختيار هذا القول، وكذلك أبو إسحاق الشاطبي في الموافقات».
قال العلامة ابن عثيمين: «إن بعض الناس يفسر قول الله تعالى: {مَّا فَرَّطْنَا في الكِتَابِ مِن شيء} على أن الكتاب القرآن، والصواب أن المراد بالكتاب هنا اللوح المحفوظ».
– قوله تعالى: {وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللّهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ} (الآية: 70).
كلمة «تُبْسَل» تفهم على غير وجهها.
قال الطبري: «واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: {أن تبسل نفس}؛ فقال عكرمة والحسن ومجاهد: {أن تبسل نفس} أن تُسْلَم؛ وعن قتادة: تُحبس؛ وقال ابن زيد: أن تؤخذ نفس بما كسبت؛ وعن ابن عباس: تفضح؛ وقال الكلبي: {أن تبسل} أن تجزَى؛ وقال أبو جعفر بعد أن سرد هذه الأقوال: فتأويل الكلام إذاً: وذكّر بالقرآن هؤلاء الذين يخوضون في آياتنا وغيرهم ممن سلك سبيلهم من المشركين، كيلا تُبسل نفس بذنوبها وكفرها بربها، وترتهن فتغلق بما كسبت من إجرامها في عذاب الله».
قال القرطبي: «{أن تبسل نفس بما كسبت} أي ترتهن وتسلم للهلكة، عن مجاهد وقتادة والحسن وعكرمة والسدي. والإبسال: تسليم المرء للهلاك، هذا هو المعروف في اللغة».
قال صاحب «اللباب في علوم الكتاب» قوله: «{أنْ تُبْسَلَ} في هذا وجهان:
المشهور -بل الإجماع- على أنه مفعول من أجله، وتقديره: مَخَافَة أن تُبْسَلَ، أو كراهة أن تُبْسَلَ أو ألاَّ تبسل.
والثاني: قال أبو حيَّان بعد أن نقل الاتفاق على المفعول من أجله: ويجوز عندي أن يكون في موضع جرٍّ على البدل من الضمير، والضمير مفسر بالبدل، ويضمر الإبسال لما في الإضمار من التفخيم، كما أضمروا ضمير الأمر والشأن، والتقدير: وذكِّرْ بارتهان النفوس، وحبسها بما كسبت».
وفي تفسير المنار: «{وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت} البسل مصدر بسله، يطلق بمعنى حبس الشيء ومنعه بالقهر، وبمعنى الرهن والإباحة، وأبسل الشيء يبسله: أسلمه للهلاك، ومنه أسد باسل ورجل باسل، أي شجاع ممتنع على أقرانه، أو مانع لما يريد حفظه أن ينال».
قال ابن كثير بعدما ذكر ما ذكرنا من اختلاف العلماء في تفسيرها: «وكل هذه العبارات متقاربة في المعنى، وحاصلها الإسلام للهلكة، والحبس عن الخير، والارتهان عن درك المطلوب، كما قال: {كل نفس بما كسبت رهينة * إلا أصحاب اليمين} (المدثر: 38-39)».
– قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} (الآية: 82).
كلمة «بِظُلْم» تفهم على غير وجهها.
قال القرطبي: «{الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم) أي بشرك، قاله أبو بكر الصديق وعلي وسلمان وحذيفة، رضي الله عنهم؛ وفي الصحيحين عن ابن مسعود: «لما نزلت {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: أينا لم يظلم نفسه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس هو كما تظنون، إنما هو كما قال لقمان لابنه: {يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم}».
قال ابن عاشور: «والظلم: الاعتداء على حق صاحب حق، والمراد به هنا إشراك غير الله مع الله في اعتقاد الإلهية وفي العبادة، قال تعالى: {إن الشرك لظلم عظيم} لأنه أكبر الاعتداء، إذ هو اعتداء على المستحق المطلق العظيم، لأن من حقه أن يفرد بالعبادة اعتقادا وعملا وقولا، لأن ذلك حقه على مخلوقاته؛ ففي الحديث: حق العباد على الله أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا».
وقد ورد تفسير الظلم في هذه الآية بالشرك.