“فالغفور: مبالغة من غافر ومعناه الكثير الستر لذنوب عباده مأخوذ من الغفر بمعنى الستر، ومنه سمى المغفر الذي يلبس على الرأس عند الحرب لأنه يسترها بمعنى الستر، ويقيها من الضرب.
وهو من أكثر الأسماء الحسنى ورودا في القرآن الكريم مطلقا في بعضها كقوله تعالى: “قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ”-الزمر:53-، ومقيدا في بعضها كقوله تعالى في سورة طه: “وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى”-طه:82-.
ومذهب أهل السنة أن جميع الذنوب ما عدا الشرك يجوز أن يغفرها الله سبحانه ولو لم يتب منها صاحبها لقوله تعالى: “إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ” -النساء:116-، والقول بأن المغفرة في الآية مقيدة بالتوبة من الذنب يلغي التقييد بالمشيئة فإن الله قد وعد كل تائب بقبول توبته([1])“([2]).
– وفي ترتيب هذه الأسماء الثلاثة يقول الإمام أبو بكر بن العربي رحمه الله تعالى: “في ذلك ثلاثة أقوال:
أحدها: أن “غافرا” فاعل من غفر، وإن قولنا “غفور” للمبالغة إذا تكرر، وإن “الغفّار” أشد مبالغة منه.
الثاني: أن قوله “غافر” بستره في الدنيا، وإن “غفورا” بستره في الآخرة، وإن “غفارا” بستره عن أعين الخلائق ومن أعين المذنبين، ليكون لكل لفظ فائدة يختص بها.
الثالث: أن “غافرا” فاعل من غفر، وأن “غفّارا” فعّال للكثرة، وأن “غفورا” فعول، أنبأ عن جودة الفعل وكماله وشموله.
قال: والقول الأول أصح، وما بعده تحكم لا يشهد له لغة ولا حقيقة([3])“([4]).
– “قال الحليمي رحمه الله تعالى:
-الغافر-: هو الذي يستر على المذنب ولا يؤاخذه به فيشهره ويفضحه.
و-الغفّار-” هو المبالغ في الستر فلا يشهر الذنب لا في الدنيا ولا في الآخرة.
و-الغفور-: وَهُوَ الَّذِي يكثر منه الستر على المذنبين من عباده، ويزيد عفوه على مؤاخذته”([5]).
—————————————–
([1] ) والمعنى أن قوله تعالى:” وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ” لا يدخل فيه التائب، لأن الله تعالى وعده بالمغفرة كما في قوله تعالى:” وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ”، أما من مات مصرا فهو داخل في مشيئة الله تعالى إن شاء غفر له وإن شاء عذبه بحسب ذنوبه حتى يطهّر منها ثم يكون مصيره إلى الجنة، وهذا كما سلف مذهب أهل السنة والجماعة التي تعضده الأدلة الصحيحة، وخالف في ذلك الخوارج الذين يكفرون بالمعصية في الدنيا ويحكمون على العاصي بالنار خالدا فيها في الآخرة، ووافقهم في الحكم الأخروي المعتزلة، وأما في أحكام الدنيا فهؤلاء أصلوا أصلا محدثا ما أنزل الله به من سلطان ألا وهو القول بالمنزلة بين المنزلتين، أي أن العاصي في منزلة بين الكفر والإيمان. وهذا أحد الأصول الخمسة التي أصلها المعتزلة وجعلوها عمدة لعقيدتهم، نسأل الله السلامة والعافية.
([2] ) شرح النونية للهراس: 2/481.
([3] ) لعل هذا التعقيب من الإمام أبي بكر بن العربي رحمه الله تعالى يناسب القول الثاني دون الثالث، فقد اختلف العلماء كما سلف في معنى المبالغة التي يدل عليها كل من اسم “الغفور” واسم “الغفّار”، وممن قال بالقول الثالث حجة الإسلام الإمام الغزالي عليه رحمة المنان، قال:” فالفعّال ينبئ عن كثرة الفعل والفعول ينبئ عن جودته وكماله وشموله” –وقد سبق آنفا نقل كلامه رحمه الله تعالى-.