حتى ننفذ إلى عمق معضلة الاغتصاب محمد علي الدراوي أستاذ باحث

أسال موضوع الاغتصاب الكثير من المداد في عديد من المجلات والجرائد والمواقع الإلكترونية، وحرك الكثير من الجمعيات الحقوقية التي دعت إلى فرض أقصى العقوبات على مرتكبه، إلا أن المتتبع للموضوع، وخاصة من خلال بعض الحالات التي كان آخرها قضية انتحار الطفلة أمينة الفيلالي، بعدما تم تزويجها من مغتصبها، يجد نفسه أمام مجموعة من الأسئلة المحيرة، لعل أهمها:
 ما معنى الاغتصاب؟
 هل ما حدث لأمينة الفيلالي، وغيرها من الشابات، يعتبر اغتصابا؟
 هل الحل الأجدى لمحاربة هذه الجريمة النكراء هو تغيير فصل من فصول القانون الجنائي، أو بند من بنود مدونة الأسرة؟ أم أن للمعضلة حلولا أنجع؟
كل هذا سأحاول التطرق إليه بعجالة في هذه المقالة، وإلا فالموضوع يحتاج إلى نقاش اجتماعي عميق.

تعريف الاغتصاب
الاغتصاب لغة من غصب يغصب غصبا. غصب فلانا على الشيء: قهره .
والغصب: أخذ الشيءِ ظُلْماً، غَصَبَ الشيءَ يَغْصِبُه غَصْباً، واغْتَصَبَه، فَهُوَ غاصِبٌ، والاغْتِصابُ مِثْلُه.
الغَصْبِ، وَهُوَ أَخْذُ مالِ الغَيْرِ ظُلْماً وعُدْواناً. وَفِي الْحَدِيثِ: أَنه غَصَبَها نَفْسَها: أَراد أَنه واقَعَها كُرْهاً، فاستعاره للجِماع.
وهذا المعنى الأخير هو الذي شاع استعماله، فأصبح الإكراه على الجماع يسمى اغتصابا.
وقد نص القانون الجنائي المغربي في المادة 486، على أن الاغتصاب هو مواقعة رجل لامرأة بدون رضاها.
إن هذا التعريف الأخير يقودنا إلى أن الاغتصاب، وحتى يكون كذلك، لا بد فيه من شرطين اثنين أساسيين:
 أولهما: مواقعة الرجل لامرأة.
 ثانيا: عدم رضى المرأة.
إن المتأمل لهذا التعريف ليجده أوسع من أن يضبط، ويطرح أكثر من سؤال.
أولا: مواقعة الرجل للمرأة، تعريف فضفاض غير مضبوط بقيد، حتى أن بعض الحقوقيين ركبوا عليه وقالوا بأن مواقعة الزوج لزوجته بدون رضاها يعتبر اغتصابا لها، ضاربين عرض الحائط المادة 4 من مدونة الأسرة المغربية التي أرادت للمؤسسة الزوجية أن تكون مبنية على الإحصان والعفاف والتفاهم. فكيف يتأتى ذلك حين نجد الزوجة تتابع زوجها بتهمة الاغتصاب؟
ومن هنا فسيكون لزاما إعادة صياغة التعاريف بصيغة أضبط وأدق.
النقطة الثانية أو الشرط الثاني: عدم رضى المرأة أثناء مواقعتها. وهذا مربط الفرس. وهنا نطرح السؤال : بما يتم الإكراه؟
ذكر بعض أهل العلم شروطا للإكراه منها:
1- أن يكون الإكراه من قادر بسلطان أو تغلب.
2- أن يغلب على ظنه نزول الوعيد به، والعجز عن دفعه والهرب منه.
3- أن يكون مما يلحق الضرر به.
أما والحال على غير ذلك فهل يمكن أن نتحدث عن اغتصاب؟
إن المتتبع لحال شبابنا ليشعر بكثير من الأسى والحزن لما وصلنا إليه من انحطاط لقيم الأخلاق واضمحلالها، حتى إنه يسائل نفسه: هل نحن حقا في بلد ينص دستوره في أولى بنوده على أن الإسلام دين الدولة؟
دعونا نكن صرحاء فيما بيننا، فحينما نجد الشابة تخرج مع رجل لا تربطها به أي علاقة شرعية، بل إنها تركب معه الدراجة والسيارة، وتوافق على الذهاب معه إلى الخلاء أو المنزل! فأين هو عدم الرضى هنا إذا وقع ما وقع؟
إننا وفي هذه الحالة، لا يمكننا التكلم عن عدم الرضى، لأن هناك تفسيرا علميا لهذه الحالة، حيث تتحرك الغريزة الجنسية لكلا الطرفين، ويسعى كلاهما لإشباعها، فيقع ما لم يكن في الحسبان بشكل لا إرادي من الطرفين.
ومن هنا فمن اللازم عند الحديث عن مسألة الاغتصاب الأخذ بعين الاعتبار الشرط الثاني الذي أعتبره المفصل والجوهر في هذه القضية الحساسة.
ما الحل الأجدى لمحاربة هذه الجريمة النكراء؟
هل بإمكاننا القضاء على ظاهرة الاغتصاب بمجرد تغيير فصل من القانون يقضي بمعاقبة الجاني؟
وهنا فأنا لا أدافع عن المغتصب، لأنه، من وجهة نظري، إذا ما ثبت الاغتصاب بالقوة، فأنا أرى فرض أقصى العقوبات عليه حتى ولو وصلت إلى الإعدام. ولكن، إذا وقع ما وقع برضى الطرفين، فليتحمل كلاهما المسؤولية في ذلك.
أعود وأقول بأن تغيير فصل من الفصول ليس سوى حل ترقيعي ليس إلا، لأن المشكل أبعد وأعمق من ذلك.
السؤال الذي يجب أن يطرح للنقاش الجدي: لماذا اتجه ذلك الشاب وتلك الشابة إلى هذه الفعلة؟
في تفكير بسيط للجواب عن هذا السؤال، تراكمت في ذهني عوامل عدة، لعل من أهمها:
1) وسائل الإعلام: إن المشكل الأكبر في وسائل الإعلام المرئية والمقروءة، وكذا الشبكة العنكبوتية التي غزت واكتسحت كل بيت من بيوت المغاربة، وذلك بسبب ما تنقله من مسلسلات مدبلجة أدمنت الأسر على مشاهدتها (أين أبي- خلود…) تدعو إلى التفسخ الأخلاقي بشكل واضح، وكذا بعض الصفحات على جرائدنا اليومية (من القلب إلى القلب…) وغير ذلك كثير. وكأن إعلامنا ليس بإعلام دولة إسلامية دينها الإسلام؟ إعلام تابع للغرب بكل المقاييس، أصبح أداة يسخرها أعداء الوطن لضرب القيم الأخلاقية والدينية والتاريخية لبلدنا الحبيب، عوض أن تكون أداة تعتمد منهجا واضحا بناء مرتبطا بأصولنا التاريخية والاجتماعية والدينية.
2) البطالة.
3) الفقر.
4) الحركات التحررية التي أصبحت تنادي بحقوق المرأة المزيفة.
5) التنكر لمسألة بلوغ المرأة باكتمال نموها الفزيولوجي الذي يختلف من منطقة لأخرى، وربطه فقط بسن الثامنة عشر. حتى أصبحت الفتاة البالغة التي لم تصل بعد سن 18 سنة تعد نفسها صغيرة….
إن هذه العوامل وأخرى، لتدعو الجميع: -حكومة وشعبا، جمعيات ومنظمات- إلى الانخراط البناء لدراسة المشكل في عمقه، آخذين بعين الاعتبار كل العوامل المؤدية إلى استفحال الظاهرة، والتشارك الفعال في إيجاد حلول ناجعة كفيلة للحد منها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *