سلك بنو علمان سبلا شتى للقضاء على تعاليم الإسلام السمحة في قلوب المسلمين، فبعد أن حاربوا الحجاب والعفاف والالتزام بصفة عامة باسم التحضر والحرية!! حاولوا خب الزوجة عن زوجها ليتصدع بنيان الأسرة المسلمة، فصوروا لها الزوج عدوا لدودا، يستغلها ماديا وجسديا، مستغلين ما تتخبط فيه أسرنا من مشاكل بسبب ابتعادها عن دينها.
فأوهموها أنها يجب أن تعلنها حربا لا هوادة فيها على هذا الزوج الظالم، ولن تكسب -حسب زعمهم- هذه الحرب المفتعلة إلا إذا تمردت على أوامر دينها، فمن يكون هذا الزوج حتى تطيعه أو تحفظ غيبته أوتستأذنه في الخروج من البيت؟
فالزوج في المجتمع الأبوي -كما يسمونه تقليدا لأسيادهم الغربيين- لم يستمد مكانته وسطوته وجبروته إلا من امتثال المرأة لتلك التعاليم، زعموا!
فهل ما يدعيه بنو علمان صحيح؟!
وهل تمرد المرأة على زوجها حقق لها السعادة التي كانت تلهث وراءها في غير منهج ربها؟
يقول ربنا عز وجل: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةًَ}(الروم:20)، فالله تعالى خلق حواء من آدم، فهي جزء منه، خلقها لتسكن إليه ويسكن إليها، وتأنس به ويأنس بها، فالمرأة بضعة من الرجل، “يحمل كل منهما لصاحبه أكبر قدر من المودة الخالصة، والرحمة الشاملة يتبادلانها بينهما طيلة الحياة” (منهاج المسلم)، فهذه هي نوع العلاقة التي أرادها الله عز وجل لأن تكون بين الزوجين علاقة تسودها “الثقة المتبادلة بينهما بحيث يكون كل منهما واثقا في الآخر ولا يخامره أدنى شك في صدقه ونصحه وإخلاصه له.. والرابطة الزوجية لا تزيد أخوة الإيمان إلا توثيقا وتوكيدا وتقوية” (المصدر نفسه).
، فالزوجة قبل أن تكون شريكة الحياة لزوجها فهي أخته في الدين والعقيدة، يحبها في الله وينصح لها ولا يخذلها ولا يخونها.
“وبذلك يشعر كل من الزوجين أنه هو عين الآخر وذاته، وكيف لا يثق الإنسان في نفسه ولا ينصح لها؟ أو كيف يغش المرء نفسه ويخدعها؟”(المصدر نفسه).
أرأيتم هذا السمو وهذه الرقة البالغة، وهذا الحب الفياض، لن تجده أبدا إلا في ظل أسرة مسلمة تعيش على منهج ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم الذي يقول: (خيركم خيركم لأهله؛ وأنا خيركم لأهلي) (رواه الطبراني بإسناد حسن).
وهو عليه الصلاة والسلام يدعو كل رجال الأمة المحمدية أن يقتفوا أثره في الإحسان إلى زوجاتهم، لأنه صلى الله عليه وسلم كان أفضل وأرحم وأحن زوج عرفته البشرية. فهو خير من امتثل لأمر الله تعالى للأزواج في قوله سبحانه: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (النساء:19).
وقال صلى الله عليه وسلم: (استوصوا بالنساء خيرا) (رواه مسلم). وللمسلم هنا أن يجتهد في كل ما يخطر على باله من وجوه الخير والإحسان، بل إنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بغض الزوجة المؤمنة حين قال: (لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر) (رواه مسلم).
قال الإستانبولي في التحفة في شرح هذا الحديث: “إن الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث يوجه كلا من الزوجين إلى التساهل ما دام ممكنا، فإذا أبغض كل من الآخر صفة، جاءت صفة أخرى أوصفات أخرى تشفع لصاحبها، وبذلك يصير الوفاق ويتم الوئام وتسلم الأسرة، وإن التفكير بمصير الأطفال، وألم الفراق، كل ذلك كفيل بتنازل كل من الزوجين عن شيء من سعادته من أجل استمرار الحياة الزوجية، وهي مهمة دينية وليست متعة فقط”(تحفة العروس).
وقال عليه الصلاة والسلام أيضا: (اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله) (رواه مسلم)، وهي الميثاق الغليظ الذي جاء في ألآية الكريمة {وَأخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا}.
إن كل هذه الأوامر والوصايا لتقدم أنصع دليل لكل منصف على أن الزوجة لها مكانة مميزة ورفيعة تحت ظل شريعة الرحمن، فأزمتنا نحن المسلمين ليست في سن القوانين الوضعية من مثل مدونة الأسرة أو ما شابهها بدل شرع الله، وإنما الأزمة الحقيقية أزمة إيمان وأخلاق، فالزوج المسلم، وكذلك الزوجة المسلمة، ابتعدا عن منهج رب الأرض والسماوات، فالله تعالى أعلم بمن خلق وهو اللطيف الخبير؛ وهو سبحانه الذي أنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم منهجا قويما لا اعوجاج فيه، لذلك لن تعرف السعادة طريقا إلى بيوت المسلمين إلا بالعودة إلى دين الله، فمهما ابتغينا السعادة والهناء في غيره؛ أشقانا الله.