الإسلاموفوبيا: المفهوم والمحددات ذ.محمد الدرداري

مع حلول الألفية الجديدة -وما رافقها من أحداث وحروب- دخلت العلاقة بين الاسلام والغرب منعطفا جديدا، وذلك على جميع المستويات والأصعدة، ولعل الصبغة المميزة لهذه العلاقة بروز زخم كبير من الخطابات والقناعات التي تجسد تصلب الموقف الغربي تجاه العديد من القضايا المتعلقة بالاسلام والمسلمين.
ولقد كانت أحداث 11 من شتنبر 2001 فاصلة بين مرحلتين، الأولى: امتازت بنوع من الانفتاح والتقارب والثقة وكتمان المشاعر العدائية.. وان كان بين الفينة والأخرى تطفو على السطح بعض السلوكات والمواقف المجسدة لعدم قبول الآخر والخوف منه.
والثانية: والتي يمكن أن نصطلح على تسميتها بـ”مرحلة سقوط القناع”، حيث أسفر الآخر عن خبيئة صدره وراح يكيل في التهم ويبدع في الإساءة إلى غير حد.
ومن المؤكد أن تلك الأحداث التفجيرية والتي تبنتها بعض الجهات ذات الانتماء الإسلامي، أذكت نار الحقد في نفوس هؤلاء تجاه الإسلام، وجعلتهم ينظرون إلى المسلمين باعتبارهم قتلة وإرهابيين، على الرغم من استنكار معظم الجهات والمؤسسات الدينية والسياسية في العالمين العربي والإسلامي لتلك الأعمال، إلا أن ذلك لم يكن ليوقف سيل الإساءة والخوف من كل ما هو إسلامي.
إن ظاهرة الخوف من الإسلام أو ما أصبح يعرف “بالإسلامفوبيا” ليست وليدة اللحظة، بل هي قديمة قدم الإسلام نفسه، إلا أن الاهتمام بها لم يأخذ في التنامي إلا في حدود السنوات الأخيرة، حيث احتدم حولها النقاش في مختلف الأوساط العلمية والثقافية والسياسية والإعلامية.
وهكذا ظهرت مجموعة من الدراسات والأبحاث حول هذه الظاهرة وأسبابها وتداعياتها وسبل علاجها، كما عقد لأجلها الكثير من اللقاءات والمؤتمرات، كان آخرها المؤتمر الدولي الذي عقد في تركيا (مدينة اسطنبول) بإشراف من اتحاد المنظمات الإسلامية في العالم الإسلامي، ومن أجل فهم أعمق للظاهرة بمختلف أبعادها وتجلياتها، لا بد من فهم دلالتها، أقصد دلالة مصطلح “الإسلامفوبيا”.
الإسلامفوبيا مصطلح مركب من كلمتين الأولى “الإسلام” والثانية “الفوبيا” Phobia، والفوبيا مصطلح ينتمي إلى حقل العلوم النفسية أو السيكولوجية. وهو: “مرض نفسي، ويعني الخوف الشديد والمتواصل من مواقف أو نشاطات أو أجسام معينة أو أشخاص، وهذا الخوف الشديد والمتواصل يجعل المصاب عادة يعيش في ضيق وحرج، فمثلا فوبيا القلق أو الخوف اللامنطقي يكون فيه المريض مدركا تماما أن الخوف الذي يصيبه غير منطقي” .
يقول د.أسعد زروق: “إنها أي “الفوبيا” تدل تحديدا على القلق العصبي، أو عصاب نفسي لا يخضع للعقل، ويساور المرء بصورة جامحة من حيث كونه رهبة في النفس شاذة عن المألوف يصعب التحكم فيها، ينطوي على طابع مرضي وينشأ عادة من تجارب سابقة غير سارة.. والشخص الذي يعتريه الخوف لا يفهم طبيعة هذا القلق المرضي” .
“وفي الاصطلاح العام تدل لفظة “إسلامفوبيا” على ما تم تكريسه وترسيخه وإشاعته من قلق مرضي وخوف نفسي لا شعوري لدى الغرب من الإسلام أو ما يتصل به” .
أو بعبارة أخرى هو الخوف اللاشعوري واللا مبرر، الذي ينتاب الغرب أو بعض مكوناته تجاه الإسلام والريبة من كل ما ينسب إليه، وما يترتب على ذلك من الإجحاف والتمييز العنصري ضد الإسلام.
يقول الدكتور حسن عزوزي: “لقد أصبحت لفظة “إسلامفوبيا” مصطلحا جامعا ودالا على عمليات التشويه والتمييع لصورة الإسلام انطلاقا من مرض الخوف منه، أنه المصطلح الأكثر تعبيرا عن عقدة الخوف والهلع من انتشار الإسلام ونفوذ قوته الدينية والثقافية والبشرية داخل المجتمعات والدول الغربية… إن “الإسلامفوبيا” تعني إجمالا توليد وإشاعة الخوف من الإسلام وأهله في العالم أجمـع وذلك عن طريق شن حملات مشحونة بالدسائس والأكاذيـب الموجهة إلى الإسـلام وحضـارته”4.
وفي المملكة المتحدة قامت مؤسسة تدعى:”رونيميد تروست” بانجاز تقرير بعنوان “الإسلامفوبيا: تحد لنا جميعا”، حددت فيه مجموعة من المعطيات و العناصر التي متى وجدت فتم ظاهرة “الاسلامفوبيا” وهي:
1. النظر إلى الإسلام على أنه كتلة متجانسة أحادية جامدة لا تستجيب للتغيير.
2. النظر إلى الإسلام على أنه كائن مستقل ليس له قيم مشتركة مع الثقافات الأخرى وهو لا يتأثر بها أو يؤثر فيها.
3. النظر إلى الإسلام على أنه دوني بالنسبة للغرب.. بربري وغير عقلاني، بدائي وجنسي النزعة.
4. اعتبار الإسلام عنيفا وعدوانيا ومصدر خطر مفطورا على الإرهاب والصدام بين الحضارات.
5.اعتبار الإسلام إيديولوجية سياسية لتحقيق مصالح سياسية وعسكرية.
6. الرفض التام لأي نقد يقدم من طرف إسلامي للغرب.
7.استعمال العداء تجاه الإسلام لتبرير ممارسات تمييزية تجاه المسلمين وإبعادهم عن المجتمع المهيمن.
8 .اعتبار العداء تجاه المسلمين أمرًا عاديًّا وطبيعيًّا ومبررًا .
وهكذا فإن ظاهرة “الإسلامفوبيا” أنبنت في الفكر الغربي على مجموعة من التصورات المشوهة التي ألصقت بالإسلام وتاريخه ورموزه وفي ضوئها تشكل موقف الغرب المعادي للمسلمين.
ولعله من المفيد هنا أن أنقل كلام د.أحمد جاء الله إذ يقول: “الواقع أننا عندما ننظر اليوم إلى المجتمعات الغربية حيث صورة الإسلام مشوهة، وهذه حقيقة ندركها جميعا فهم يعتقدون جميعا أن الاسلام دين همجي والمسلمون قوم متخلفون والعالم الإسلامي عالم متخلف يعيش الفقر ويحكم بأنظمة ديكتاتورية، والصحوة الإسلامية تمثل خطرا إرهابيا على العالم، كل هذه القضايا تلخص صورة الإسلام في الذهنية الغربية” .
وانطلاقا من الرؤى والمفاهيم السابقة يظهر لنا بجلاء مدى القناعات السلبية والتأثيرات الخطيرة التي يغرسها مصطلح “الاسلامفوبيا” في نفوس الغربيين تجاه الاسلام، وما يمكن أن يعكسه هذا الخطاب الاقصائي الممنهج من مخاطر على مستوى العلاقة بين الشرق والغرب عموما، وكذا على أمن وسلامة الجالية المسلمة المقيمة في المجتمعات الغربية على وجه الخصوص.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *