سلسلة التوحيد عند الصوفية: وقفة مع الحكيم الترمذي من خلال كتابه (ختم الأولياء) أبو محمد عادل خزرون التطواني

يستطرد الترمذي مجيباً في زعمه على من يقول للمتصوفة في دعاواهم هذه أن هذا ادعاء لعلم الغيب ولا يعلم الغيب إلا الله، فيجيب الترمذي على ذلك بجواب عجيب حيث يقول:
“وأما قوله: ﴿قُل لا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ﴾ [النمل:65] فعلم الغيب عند الله، وكم من غيب أطلع الله عليه رسوله فأية حجة في هذا؟ وإنما يريد أن يروج بمثل هذا الأغبياء. وكم من غيب أطلع الله عليه أهل الإلهام حتى نطقوا به وأهل الفراسة..”1.
وبالطبع يمهد الترمذي لهذا كله الذي يهدم به الدين من أساسه بأن الله في زعمه قد أعطاه الدليل على أن هذا الوحي المزعوم صدق، فيقول رداً على من ينكر ذلك عليهم:
“ويقال (له أيضاً): ما قولك في محدِّث، بشر بالفوز والنجاة فقال: رب اجعل لي آية تحقق لي ذلك الخبر الذي جاءني، لينقطع (الشك والاعتراض) فقال: آيتك أن أطوي لك الأرض حتى تبلغ بيتي الحرام في ثلاث خطوات، وأجعل لك البحر كالأرض تمشي عليه كيف شئت، وأجعل لك التراب والجو في يديك ذهباً.. ففعل هذا. فهل ينبغي له أن يطمئن إلى هذه البشرى، بعد ظهور هذه الآية أم لا؟ فإن قال: لا، فقد عاند واجترأ على الله وحلت به دائرة السوء. وإن قال: نعم. فقد ذهب قوله واحتجاجه الظلماني 2”.
ثم يسأل الترمذي سؤالاً يجيب عنه وهو كيف تقدم الختم هذا الأولياء فيقول :
“قال: فيم تقدم الأولياء واحتاجوا إليه؟
قال: بأن أعطي ختم الأولياء. فبالختم تقدمهم، فصار حجة الله على أوليائه، وقد ذكرت في أول الكتاب سبب الختم:(وهو) أن النبوة أعطيت الأنبياء عليهم السلام، ولم يعطوا الختم فلم تخل تلك الحظوظ من هنات النفس ومشاركتها، وأعطي نبينا وختمت له نبوته. كالعهد الذي يكتب ثم يختم، فلا يصل أحد إلى أن يزيد فيه ولا أن ينقص منه، وقد وصفت شأنه فيما تقدم 3.
وكذلك هذا الولي يسير به (الله تعالى) على طريق محمد صلى الله عليه وسلم، بنبوته، مختوماً بختم الله، فكما كان محمد صلى الله عليه وسلم حجة على الأنبياء، فكذلك يصير هذا الولي حجة على الأولياء، بأن يقول الله تعالى لهم: معاشر الأولياء، أعطيتكم ولايتي فلم تصونوها من مشاركة النفس. وهذا أضعفكم وأقلكم عمراً قد أتى بجميع الولاية صدقاً، فلم يجعل للنفس فيها نصيباً ولا تلبيساً.
وكان ذلك في الغيب من منة الله تعالى على هذا العبد، حيث أعطاه الختم لتقر به عين محمد صلى الله عليه وسلم، في الموقف حتى قعد الشيطان بمعزل، وأيست النفس فبقيت محجوبة، فيقر له الأولياء يومئذ بالفضل عليهم. فإذا جاءت تلك الأهوال لم يك مقصراً. وجاء محمد صلى الله عليه وسلم بالختم فيكون أماناً لهم من ذلك الهول. وجاء هذا الولي بختمه فيكون أماناً لهم بصدق الولاية، فاحتاج إليه الأولياء وللختم شأن عظيم والله في ولد آدم عجائب، خلقهم لأمر عظيم، ولما عرف العاقل أن الله ولي خلق آدم بيده علم أن هذه خطة فيها أمور عظام، ولما عرف أنه سماه “خليفة” علم أن ههنا عجائب: فإن الخليفة له شعبة من ملك المستخلف 4..”اهـ.
وهكذا يجعل الترمذي لهذا الولي المزعوم ما جعله الله لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم.. وصدق الله سبحانه وتعالى في شأن المشركين: ﴿بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَى صُحُفًا مُّنَشَّرَةً﴾ [المدثر:52].
وهؤلاء الزنادقة يريد كل منهم أن يوحى إليه كما يوحى إلى الرسول، بل لم يتركوا فضلاً مما فضل الله به عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم إلا انتحلوه لأنفسهم بل زادوا عليه، واحتقروا منزلة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المنازل التي يزعمون أن الله قد بلغهم إياها.
لقد وضع الترمذي المسمى بالحكيم في الكتاب (ختم الولاية) كل بذور الشرّ الكبرى في التي عرفت في الفكر الصوفي، وكل الذين جاؤوا بعده إنما هم عيال عليه وتبع له في كل هذا البهتان والباطل الذي بثه في كتابه، وخاصة في مسألة ختم الولاية فلم يأت متصوف بعد الترمذي هذا من مشهوري المتصوفة إلا وادعى ختم الولاية لنفسه.
وللكلام بقية…..

————————
1 – ختم الأولياء ص62، ط.دار الكتب العلمية.الفصل الثامن عشر والذي عنونه: منكرو أحوال الأولياء.
2 – ختم الأولياء ص65، ط.دار الكتب العلمية.الفصل التاسع عشر والذي عنونه: الولاية والسعادة والمحبة.
3 – ختم الأولياء ص77، ط.دار الكتب العلمية.الفصل الخامس والعشرون والذي عنونه: خاتم الأولياء.
4 – ختم الأولياء ص78، ط.دار الكتب العلمية.الفصل الخامس والعشرون والذي عنونه: خاتم الأولياء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *