منطلقات الخلاف بين أطياف السلفية المعاصرة 19 السعودية تستعين بالنظام العالمي وأسامة بن لادن يهدد (القاعدة تتمدد) إعداد: مراد أمقران

انتصر المجاهدون على السوفييت واندحرت الشيوعية على أبواب كابول وقندوز وقندهار فخرجت من البلد ذليلة مهيضة الجناح تحت وقع زخات كلاشينكوفات المجاهدين، سطر المجاهدون يومها انتصارا كبيرا، وكانت جبال تورا بورا شاهدة على رباطة الجأش التي تحلى بها الأفغانيون والمجاهدون العرب الذين قاتلوا دفاعا عن الدين والأرض والعرض بقوة السلاح.
بعدها عاد أسامة بن لادن أدراجه إلى مسقط رأسه بالسعودية ..وتم استقباله هناك بحفاوة من لدن المبعوث الملكي وأشاد به العلماء واعتزوا به أيما اعتزاز واعتبروه رمزا جهاديا عابرا للقارات لم تثنه خلفيته الأسرية الثرية عن تلبية نداء الجهاد على أرض الأفغان بينما افترقت السبل بالمجاهدين العرب الأفغان عموما على ثلاث مجموعات مختلفة وهذا شيء من خبرها باقتضاب
1- المجموعة الاولى…. فضلت المكوث في أفغانستان والانخراط في مسلسل الحرب الأهلية الدائرة بين فصائل المجاهدين الأفغان الذين تهارشوا على الحكم وقد كانت أطراف الصراع مشكلة من فصائل مختلفة تزعمها كل من (أحمد شاه مسعود. .برهان الدين رباني.. عبد الرسول سياف.. جلال الدين حقاني.. قلب الدين حكمتيار.. رشيد دستم..
2- المجموعة الثانية..اختارت التواري عن الأنظار والإقامة في عدد من البلدان الأوربية التي كانت تمنح حق اللجوء السياسي إليها وأذكر بالخصوص بلدان هولندا وبريطانيا والدنمارك وقد كان معظم اللاجئين من قادة الصف الأول في تيار الجهاد والجماعة الإسلامية.
3- المجموعة الثالثة… قررت العودة إلى بلدانها الأصلية سرا لإشعال الأرض تحت أقدام حكام تلك البلاد الذين اعتبرتهم طواغيت وكلاء لا يحكمون بشرع الله وتوزعت هذه المجموعة بالخصوص في اليمن ومصر والجزائر وليبيا.
4- المجموعة الرابعة…كانت مخلصة لمشروع الأب الروحي (عبد الله عزام) حيث بدأت من حيث انتهى الرجل وآثرت نقل التجربة الأفغانية إلى مناطق أخرى من العالم كالبوسنة والفلبين والقوقاز وداغستان وطاجيكستان وأندونيسيا وقد اعتمد (أسامة بن لادن) على هذه المجموعة فيما بعد لتدعيم لبنات (تنظيم القاعدة) وإرساء قواعد الكيان الذي سيقض مضجع العالم في مستقبل الأيام.
الثاني من سبتمبر عام 1990م.. القوات العراقية بقيادة صدام حسين تغزو الكويت وتستولي على البلد في غضون سويعات قليلة ساد الرياض شعور هائج من السخط والغضب وتوترت الأجواء بين (صدام حسين والملك فهد) الذي كان يتوجس من اجتياح صدام للكويت باعتباره مقدمة أكيدة لمواصلة الزحف نحو السعودية قصد (أسامة بن لادن) على الفور الرياض والتقى خلالها وزير الدفاع السعودي في خطوة من أسامة لاحتواء الكارثة.. وعرض على الوزير خطة شاملة للدفاع عن المملكة ضد أي هجوم صدامي محتمل شملت في مجملها دعم القوات المسلحة السعودية وإمدادهم بالمئات من المجاهدين السعوديين الذين خبروا المعارك والهجمات في جبال أفغانستان ناهيك عن اقتراح آخر يقضي باستعداد (أسامة بن لادن) و(الأفغان العرب) عموما للتسلل إلى الكويت والمشاركة في خوض (حرب عصابات) من شأنها أن تستنزف القوات البعثية العراقية مشددا على قدرات رجاله وإمكانية إلحاق الهزيمة بصدام حسين وإرغامه على الانسحاب من الكويت كما أرغموا من قبل السوفييت على الانسحاب من أفغانستان..
ولم يفت (اسامة بن لادن) أن يحذر من مغبة وعواقب الاستعانة بقوات التحالف الغربي بزعامة أمريكا من أجل الدفاع عن المقدسات الإسلامية موضحا أن هذه الاستعانة تتنافى مع تعاليم الإسلام فضلا عن حساسية هذه المعضلة بالنسبة لمعظم السعوديين خصوصا ولمجمل المسلمين عموما وعلى الرغم من كل الحجج التي ساقها والنصوص التي استدعاها لتعضيد كلامه إلا أن تحذيراته لم تلقى أي آذان صاغية من لدن المسؤولين وفضلت السعودية أن تفتح أبوابها لاستقبال قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في مطلع عام 1991م.
لم يرق الأمر لأسامة بن لادن وراح يندد علنا بموقف النظام السعودي الذي خالف نصوصا شرعية صريحة وعكف على التحريض باستماتة على قوات التحالف الغربية والدعوى لمقاطعة بضائعهم.. هذا وقد لعبت شعبية (أسامة بن لادن) دورا مهما في تزايد مخاوف الأسرة السعودية الحاكمة وضغطت عليه بشتى السبل لثنيه على تغيير موقفه أو السكوت إذا لزم الأمر ففطن الرجل لما يحاك له وصمم على الهجرة مرغما بأسرته الصغيرة حيث توجه إلي السودان في نهاية عام 1991 .
الحاضنة السودانية
وصل (أسامة بن لادن) إلى السودان وكان في استقباله زعيم الجبهة القومية الإسلامية الدكتور (حسن الترابي) ولم يلبث أسامة بن لادن سريعا حتى وجه الدعوة بدوره إلى رفاقه في الملحمة الأفغانية المطاردين في أصقاع الأرض بغية الالتحاق به في السودان التي كانت فيها كلمة الفصل في الحكم للإسلاميين.. وعلى أرض السودان التقى أسامة بن لادن برفيقه القديم (أيمن الظواهري) وبدءا معا في تكوين الجناح العسكري لتنظيم قاعدة الجهاد والترتيب لمواجهة طويلة الأمد ضد النظام العالمي.
تسنى لأيمن الظواهري بإيعاز من (أسامة بن لادن) التواصل مع (طارق الفضلي) أحد أهم قادة الأفغان اليمنيين والابن الأكبر لآخر سلاطين اليمن.. في محاولة منهما لإقناعه بالسماح للتنظيم الوليد بإقامة معسكرات تدريب لعناصره على الأراضي اليمنية التي لم تستفق بعد من غيبوبة الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب.. وقد كان مسؤول أمن التنظيم (محمد إبراهيم مكاوي) هو واسطة المباحثات بين الطرفين.. وسرعان ما تدفق كوادر وأتباع القاعدة على اليمن في هيئة مجموعات منفصلة قدمت من أفغانستان وطاجيكستان ومصر والسودان والأحواز والصومال وكينيا وأوغندا.
كانت هذه المجموعات معدة أول الأمر للذهاب إلى الصومال لمواجهة الغزو الأمريكي خاضوا حربا شرسة ضد قواتها هناك وقد أثبتت هذه المجموعات فعالية كبيرة في أتون المعارك إلى حد إجبارالقوات الأمريكية على قبول الانسحاب عام 1993.
أعجب أسامة بن لادن برفيقه أيمن الظواهري الذي أبان عن قدرات كبيرة في التخطيط لمعركة مقديشو التي مني فيها الأمريكان بالهزيمة وقد تعزز هذا الإعجاب والتقدير عندما أشار الظواهري على أسامة بن لادن بضرورة تخفيف الضغط على الصومال عن طريق ضرب القواعد الأمريكية في اليمن وفتح جبهة قتال ثانية من شأنها أن تستنزف القوات الأمريكية، وبالفعل لم تكد تمض سوى أشهر قليلة على هزيمة القوات الأمريكية في الصومال حتى بادر أسامة بن لادن إلى تشكيل فصيل مكون من ثلاثمائة عنصر جهادي من مختلف الجنسيات وإرسالهم إلى اليمن تحت قيادة سليل سلاطين اليمن طارق الفضلي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *