جمالية أوصاف القرآن وأثرها في تهذيب النفوس المصطفى خرشيش

ثانيا: القرآن حق و برهان:

وصفان معبران ودقيقان في الكشف عن قوة هذا الكتاب، فهو أنزل بالحق وهو في حد ذاته حق ﴿وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ﴾ [الإسراء،105] يقول سيد قطب رحمة الله عليه: «”وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ” فنزل ليقر الحق في الأرض ويثبته. ”وَبِالْحَقِّ نَزَلَ” فالحق مادته، والحق غايته، ومن الحق قوامه، وبالحق اهتمامه»[1].

وبرهان إلى الناس كافة في كل زمان ومكان؛ ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا﴾ [النساء174].

يقول ابن عطية في بيان المقصود بالبرهان: «الحجة النيرة الواضحة التي تعطي اليقين التام»[2].

فهنا لا يسع النفس الإنسانية إلا أن تقف وقفة إجلال واحترام وتقدير أمام عظمة هذا الكتاب المنير الذي لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأن تتبعه شبرا بشبر  وذراعا بذراع.

فالحق يعني لا باطل يتخلله أو يقترب منه، بل حتى لا يتصور وجوده فيه، والبرهان يعني القطع الذي ينفي كل شكل دخيل على النفس الإنسانية وبيان ما جاء به خير دليل.

ثالثا: القرآن نور وروح؛

يقول الحق في كتابه حيث قال: «قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ» [المائدة،15]، ويقول جل في علاه: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا ﴾ [النساء174].

ويقول سبحانه: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنا﴾ [الشورى52].

كلمتان معبرتان جذابتان تأخذان بمجمع القلوب أخذا، وتجذبك نبرتهما وصوتهما إلى الإقبال على نهم البحث وشغف التطلع لوصف هذا الكتاب بهما؛ ذلك أنهما يدلان دلالة صريحة في استكناه أغوار هذا الكتاب، ويرشدان إلى الخير عقول أولي الألباب.

فالكلمة الأولى ”نور” بيان وإضاءة لتلك الطريق؛ في شعاع لا يخالطه شك ولا يعتريه غموض، حيث يكون وضوح الاستقامة الإيمانية، ويزول خفاء الاعوجاج الكفري.

والثانية “روح” جذب وأخذ، نحو طريق الحق والصدق؛ يقول سيد قطب رحمة الله عليه في شرح قوله تعالى ”روحا”: «فيه حياة، يبث الحياة ويدفعها ويحركها وينميها في القلوب وفي الواقع العملي المشهود»[3].

ويقول في كلمة ”نور”: «نور تخالط بشاشته القلوب التي يشاء لها الله أن تهتدي به، بما يعلمه من حقيقتها، ومن مخالطة هذا النور لها.»[4].

فهذه الكلمات ”نور، روح، مبين، …”لها وقع كبير على النفس الإنسانية، وتميل إليها، وهي المعبر بحق عن جمال هذا القرآن الكريم، فالمخاطبة بها وتبيينها وإبراز جماليتها أفضل بكثير من أن نضع القرآن الكريم في مجموعة قيود منطقية لا تعبر عن جماله وروحه ورونقه وجماله.

ونحن اليوم في واقعنا المعاصر ما أحوجنا إلى اظهار هذا الجمال القرآني للخليقة كلها؛ ذلك أن المجتمع الإسلامي اليوم قد تحللت أخلاقه وانفسخت إلا من رحم الرحمان، مما يستوجب الأمر ويستدعي بالضرورة، أن نركز على القيم السمحاء التي تضفي على النفس الإنسانية جاذبية إلى خطاب الله الذي له ما في السماوات وما في الارض.

فإن نحن عملنا على تحقيق هذه الغايات العظمى والركائز الكبرى كنا بذلك آخذين بالسير في المسار الصحيح، ولا شك أن الإنسان من طبيعته ميال إلى الكلمات ذات الوقع الجميل، فبمجرد ما أن يسمع مثلا أن ”القرآن روح…” وأنه ”نور…” تنجذب إليه ويقع في قلبه شغف الاطلاع عليه ومعرفة كنوزه ودرره.

————————————————–

[1] في ظلال القرآن ج:4، ص:2253
[2] المحرر الوجيز لابن عطية تحقيق: عبد السلام عبد الشافي محمد، ج:2، ص:141.
[3] في ظلال القرآن لسيد قطب، ، ج:5، ص:3171.
[4]  في ظلال القرآن ج:5، ص:3171.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *