اختلفت تصورات الناس لحقيقة السحر وطبيعته، والصحيح من كل ذلك أنها “ممارسات سرية باطنية تقوم على استعمال الشياطين لإيقاع الأذى المادي والنفسي بالآخرين أو بالإيهام والتخييل عن طريق معاقدة بينهم وبين الساحر الممارس تقضي بأن يسلمهم نفسه بالكفر والفسق وأن يخدموه متى استدعاهم عن طريق طلاسم وجداول وكتابات خاصة توضع بطرق متعارف عليها بينهم”.
وقد زعم بعض السحرة أنهم إنما يتعاملون مع أنواع من الملائكة، وكان بعضهم يعتقد أن ذلك تأثير للكلمات بذاتها، وقصة السحر قديمة جدا، وقد وثق القرآن الكريم ممارسة أمتين كبيرتين قديمتين للسحر بطريق الاحتراف، هما البابليون وهو سحر اليهود، والمصريون، وهو سحر بلغ به من القوة أن أخاف سيدنا موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأزكى التسليم في يوم الزينة.
ولا تزال الممارسات السحرية الفرعونية منتشرة في بلاد شمال أفريقيا مثل دفن “الحجابات” و”الحروز” في المقابر وبين أكفان الموتى والعياذ بالله، دون أن نغفل السحر الأفريقي جنوب الصحراء والسحر اليوناني وعلى رأسه فيثاغورس الرياضي ،السحر الذي لم يسلم منه أرسطو نفسه!
يعد السحر عند أصحابه “العلم العالي” و”العلم المطلق” و”الفن الملكي” و”المملكة المقدسة”، وقد انتشر استعماله في أوساط الفرق الباطنية وكهنة المعابد الوثنية، فهو ممارسة سرية للبوذية والطاوية والكهنة المصريين وأحبار الكابالا اليهودية و”عبدة الشيطان” و”الماسونية”، وهو أحد أركان “الشامانية” في كثير من بلدان العالم، ولا يزال السحر إلى اليوم ممارسة باطنية حاضرة في بلاد العالم بما فيها بلاد المسلمين، وله محل عال في المؤسسات السياسية والاقتصادية والأمنية العالمية، ولا ينكر وجوده فيها وفي غيرها إلا جاهل بذلك، بل تمارسه بعض الأخويات تحت ضوء الشمس زاعمة أنها تمارس فقط السحر الأبيض مثل مجموعة “الويكا”، وتعد أفريقيا السوداء وأمريكا اللاتينية من أكثر المناطق تورطا في هذه الممارسات لأسباب ثقافية وتاريخية.
تدل بعض الدراسات أنه كان في المغرب ساحرات بدء بالكاهنة اليهودية الأمازيغية، مرورا بساحرات ينتمين إلى أخويات خاصة ذكرهن ليون الأفريقي، وساحرات مراكشيات ذكرهن إدموند دوطي في كتابه (السحر والدين)..
تعد الشياطين رأس المال في هذه الممارسة الباطينة الكفرية، وأساس هذا العلم الذي لا تزل مدارسه قائمة بأشكال مختلفة، بل هم أصل هذا العلم كما قال تعالى: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ..، وهذا أمر في غاية الخطورة، فهو يثبت ضعف هذه الممارسة أمام من يعي أصل السحر وطبيعته، لأنه سيحسن التحصن من أذاه ويعرف كيف يرده ويتقيه بإذن الله تعالى.
يعد “جابر بن حيان” من أكابر السحرة القدامى في تاريخ الإسلام، وقد أظهر تقدمَه في ذلك ما كتبه في بعض رسائله المطبوعة، بل يصفه ابن خلدون بأنه “كبير السحرة” ومثله “مسلمة بن أحمد المجريطي” الأندلسي الذي وصفه ابن خلدون بأنه “إمام أهل الأندلس في التعاليم السحرية”.
دخل السحر الفرعوني واليهودي البابلي المغرب قديما بسبب التماس الثقافي بين المغرب ومصر، وبسبب الهجرات اليهودية القديمة جدا إلى المغرب، ولذلك استوطن السحر وممارساته الثقافة الشعبية المغربية بل النخبوية، وقد أوقعت هذه الممارسات في المجتمع المغربي كثيرا من الكوارث، ومقابر المغاربة شاهدة على السحر الفرعوني، وما يظهر منها دال على تغلغل السحر اليهودي في الفكر والممارسة الباطنية في المغرب.
لكن الغريب في الأمر أن بعض اللوم يقع على طوائف من الصوفية، كان لها اليد الطولى في إدخال هذا السحر إلى المغرب تحت أسماء مختلفة قصد التعمية والتدليس، بل أدخل بعضها تحت مسمى “كرامات الأولياء” وبعضها تحت مسمى “علم أسرار الحروف”، وهو سحر “الجداول”، لكنها عند التحقيق ممارسات سحرية.
كان ابن خلدون من أوائل من نبه على هذا فقال عن الأخير: ‹‹حدث هذا العلم في الملة بعد صدر منها، وعند ظهور الغلاة من المتصوفة››، فكان من هؤلاء “ابن عربي الحاتمي” الذي يعده صوفية العالم اليوم “الشيخ الأكبر”، والذي اعترف بنفسه بأن ما يمارسونه يسميه العلماء سحرا، وتدل بعض الدراسات أنه كان في المغرب ساحرات بدء بالكاهنة اليهودية الأمازيغية، مرورا بساحرات ينتمين إلى أخويات خاصة ذكرهن ليون الأفريقي، وساحرات مراكشيات ذكرهن إدموند دوطي في كتابه (السحر والدين).
يعيش المجتمع المغربي بكل فئاته، خاصة علاقاته الزوجية تحت تأثير أضرار كبيرة ناتجة عن ممارسات سحرية على نطاق واسع ومخيف، ورمضان على الأبواب، تصفد فيه الشياطين وتضعف عن ممارسة الأذى السحري، فعلى المسلم والمسلمة الاجتهاد في رمضان خاصة في التطهر من هذا الأذى بتجديد التوحيد في القلوب، والإكثار من الطاعات بصدق، وتعود الانشغال بالأذكار الصباحية والمسائية وجعل القرآن ربيع القلب وساقيته، خصوصا بناتنا ونساءنا اللواتي لا يعرف كثير منهن أنهن مصابات بشيء منه، فالحذر الحذر..
وسارعوا إخواني وأخواتي إلى استغلال ثقل رمضان على السحرة وأعوانهم للتخلص من أذاهم، والله المعين والمعيذ، ولا يفلح الساحر حيث أتى، وفي المقال القادم بإذن الله: “مدخل إلى عالم الجن والشياطين”.