الناظر في كتاب رب العالمين القرآن العظيم ليلحظ عظم رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده؛ وهي رحمة لها أوجه شتى؛ منها حكاية أخبار الأمم السابقة؛ من قبيل تكذيبهم لرسلهم؛ وانتهاكهم لحرمات الله ليستحقوا بذلك العذاب المهين؛ فكان الاتعاظ بقصص هذه الأمم سبيل الخلاص لهذه الأمة الآخرة؛ لتنال رحمة الله الرحمن الرحيم؛ فكان لزاما على كل مؤمن ومؤمنة أن يتدارس ويتدبر أخبار هذه القصص القرآنية لتكون بمثابة بصائر ربانية يهتدي بها السالك إلى ربه في زمن المتغيرات والفتن المدلهمات.
ومن بين تلكم الأمم الفانية التي خلد القرآن الكريم ذكرها؛ مذكرا بسوء عاقبتها بسبب انحرافها أمة قوم لوط عليه السلام.
فلقد تكررت آيات ذكر قصة قوم لوط عليه السلام في مواطن كثيرة من القرآن الكريم؛ للدلالة على عظم جرمهم وخبث صنيعهم؛ وهي:
{ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين} [الأعراف:80].
وهذه الفاحشة بيَّن ماهيتها سبحانه وتعالى بقوله على لسان نبيه عليه السلام: {إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء ۚ بل أنتم قوم مسرفون} [الأعراف:81].
فكان الانحراف عن الفطرة السليمة التي تقتضي إتيان الرجل شهوته من المرأة انحرافا خطيرا لدرجة أن الله سبحانه وتعالى وصفهم بالمسرفين أي المبالغين في حد الانحراف.
ثم بيان خبث القذارة هذه الفاحشة النتنة بقوله: {أتأتون الذكران من العالمين} [الشعراء:165].
عن طريق الاستفهام الاستنكاري؛ ثم ذكرهم أن جرمهم هذا سبب لهم تضييع نعمته سبحانه فقال:
{وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم ۚ بل أنتم قوم عادون} [الأعراف:166]؛ أي اعتديتم بفعلكم القبيح هذا فعلا للمحرم وتركا للحلال.
ليعلن لوط عليه السلام براءته من فاحشة قومه فقال: {إني لعملكم من القالين} [الأعراف:168]؛ أي من المبغضين الكارهين له لمخالفته الفطرة السوية.
وبلغ طغيان قوم لوط في فحشهم أن أرادوا السوء بضيوف لوط عليه السلام؛ فقال سبحانه:
{ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هٰذا يوم عصيب} [هود:77] أي لما جاءت الملائكة لوطًا في هيئة رجال حسنة وجوههم خاف عليه السلام من إذاية قومه لهم، فقال: هذا يوم شديد؛ لظنه أنهم يريدون بهم الفاحشة وزاد بيان هذا قوله تعالى:
{وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات ۚ قال يا قوم هٰؤلاء بناتي هن أطهر لكم ۖ فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي ۖ أليس منكم رجل رشيد} [هود:78]، فبينت هذه الآية قمة انحطاط هؤلاء القوم لدرجة تقصدهم فعل الفاحشة بالغريب عن ديارهم؛ بل لك يا أخي القارئ أن تنظر معي في هذه الآية الكريمة كيف عرض لوط عليه السلام بنات قومه عليهم مقابل تركهم لضيوفه!!!
قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسير قوله تعالى على لسان لوط عليه السلام لقومه: {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هن أَطْهَرُ لَكُمْ}.
النبي للأمة بمنزلة الوالد للرجال والنساء… قال مجاهد: لم يكن بناته، ولكن كن من أمته، وكل نبي أبو أمته، وكذا روي عن قتادة، وغير واحد.. وقال سعيد بن جبير: يعني نساءهم هن بناته، وهو أب لهم، ويقال في بعض القراءات: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم. تفسير ابن كثير 4/337.
وهنا أظهر لوط عليه السلام ضعفه أمام قذارة قومه فقال: {قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلىٰ ركن شديد} [هود:80]؛ ليأتيه الغوث من الله سبحانه؛ فقالت له الملائكة الذين هم ضيوفه في صورة رجال آدميين:
{يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك ۖ فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك ۖ إنه مصيبها ما أصابهم إن موعدهم الصبح ۚ أليس الصبح بقريب} [هود:81] وبين سبحانه هذا العذاب بقوله:
{فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود} [هود:82]،
أي؛ قلب ديارهم رأسا على عقب؛ وأمطر عليهم حجارة من طين متصلب مصفوف بعضها فوق بعض بتتابع {مسومة عند ربك ۖ وما هي من الظالمين ببعيد} [هود:83] أي: هذه الحجارة مُعَلَّمة عند الله بعلامة خاصة ، وليست هذه الحجارة من الظالمين من قريش وغيرهم ببعيدة، بل هي قريبة متى قدَّر الله إنزالها عليهم نزلت {ثم دمرنا الآخرين} [الأعراف:172]؛ {وأمطرنا عليهم مطرا ۖ فساء مطر المنذرين} [الأعراف:173].
هذه هي قصة قوم لوط عليه السلام في القرآن الكريم؛ وهي قصة فيها ما فيها من العبر والدروس لمن تدبرها حق التدبر؛ ونذكر في هذه العجالة بعضا منها:
1- مخالفة قوم لوط الفطرة البشرية في العلاقة الجنسية بين الذكر والأنثى كان فاحشة عظيمة استحقوا بسببها هذا العذاب المهين؛ وهنا نلمس عظم عناية الشريعة بحفظ الفطرة؛ حتى كان من مقاصد الشريعة الخمس حفظ النسل؛ لأن طهارة النسل البشري ضمان لتحقيق وظيفة العبودية والاستخلاف في الأرض.
2- إن قوم لوط لما حرفوا فطرتهم تمادوا في هذا الانحراف لدرجة الاعتداء على ضيوف لوط عليه السلام؛ وهكذا هو الانحراف عن الفطرة يتدرج بصاحبه في مراتب الانحلال؛ فلا غرابة أن نسمع أن من هؤلاء الشواذ من يستبيح لنفسه معاشرة الحيوانات! أعزكم الله.
3- إن فاحشة طائفة شاذة عن الجماعة سبب في حصول الهلاك للجماعة كلها؛ ومن هنا كان لزاما على من كانت له سلطة على الناس أن يبادر إلى تطهير المجتمع من هذه الفئة الباغية.
4- براءة لوط عليه السلام من فاحشة قومه دليل صدق إيمان المؤمن؛ ومن هنا يظهر نفاق القائلين بإيمانهم وقبولهم التعايش مع الشواذ؛ فالإيمان يلزم صاحبه البراءة من الفاحشة وأهلها؛ فليس بيننا وبينهم عيش مشترك كما يزعم البعض.
5- خروج لوط عليه السلام من قريته مع أهله هو موقف المؤمن عند طغيان الباطل؛ وليس دائما الهجرة بالمفهوم البدني؛ بل أيضا بالمفهوم الفكري والنفسي؛ البعد كل البعد عن هؤلاء؛ والبعد البدني اليوم يتجدد بعد ظهور هذا الوباء (جذري القردة) في الشواذ جنسيا درء للعدوى.
6- البراءة من أهل هذه الفاحشة حتى ولو كان بعضهم من المقربين؛ فامرأة لوط عليه السلام وافقت قومها في خبثهم؛ ففارقها عليه السلام كراهة لها ما هي عليه من الفحش؛ وهكذا يجب على كل مسلم ومسلمة القيام به؛ البراءة من دعاة الشذوذ/المثلية الجنسية حتى ولو كانوا من ذوي القربى؛ عزلا لهم عن سائر أفراد المجتمع تطهيرا له من فحشهم.
7- السكوت عن منكر أهل هذه الفاحشة وعدم البراءة منهم سبب في نزول العقوبة الإلهية؛ والسنن الكونية متكررة إلى قيام الساعة؛ قال عليه الصلاة والسلام:
(لم تظهَرِ الفاحشةُ في قومٍ قطُّ حتَّى يُعْلِنوا بها، إلَّا فشا فيهم الطَّاعونُ والأوجاعُ الَّتي لم تكُنْ مضَتْ في أسلافِهم الَّذين مَضَوا قبلَهم) رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
وكما قيل: التاريخ يعيد نفسه؛ فتطبيع بعض الأنظمة مع دعاة الشذوذ/المثلية جرّ عليها هذا الوباء الخطير نسأل الله السلامة والعافية.
فالواجب علينا معشر المسلمين النهوض بحفظ الفطرة السليمة في أبنائنا وأزواجنا وأنفسنا؛ والسعي إلى تطهير المجتمع من سموم هؤلاء المثليين؛ وليعلم كل ناصح في هذا الأمر أنه على ثغر عظيم من ثغور الإسلام؛ وسيعلم الساكتون أي منقلب سينقلبون؛ ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم…