إذا كان الغرب قد نجح في احتلال عقول كثير من المسلمين، حتى صاروا عبيدا له من حيث لا يشعرون، فإن ذلك لم يأت صدفة، ولا تولد من فراغ؛ بل كان نتيجة إجراءات وتدابير كثيرة اتخذها الغرب ليُحكم سيطرته على عقول المسلمين، أذكر منها:
1- التقدم التكنولوجي الباهر: فإننا لا ننكر أن الغرب حقق قفزة تكنولوجية لم تسمع بها أذن التاريخ، حتى صار ما كان معدودا من المستحيلات أمرا واقعا، فمن كان يظن أن الإنسان سيتمكن من الطيران في السماء، أو من الوصول إلى الفضاء؟! من كان يحلم بأن يكلم قريبه عبر القفار، أو يراه مع ما بينهما من البحار؟! من خطر بباله أن الإنسان سيصنع سلاحا يدمر مدينة كاملة في لحظة، أو يقتل آلاف البشر في طرفة؟!..
هذا التقدم المذهل في جميع مجالات الحياة استحوذ على ضعفاء العقول من المسلمين، وجعل فريقا منهم يرتد عن دينه أو يكاد، ويرتمي في أحضان الثقافة الغربية متأثرا بسحر التكنولوجيا الحديثة التي جعلته يثق في كل شيء يأتي من الغرب، وفعلت به فعل الدجال بأتباعه، حين يأمر السماء فتمطر، ويأمر الأرض فتنبت..
جاءت التكنولوجيا بخوارق حسبها ضعفاء العقول حججا تدل على صدق من جاء بها، فهي بحق مِن فِتن هذا الزمان، التي عصفت بكثير من الناس، ولم ينج منها إلا من ثبته الله، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: “بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا” (مسلم).
2- وسائل الإعلام: فهي على اختلاف أنواعها –المقروءة والمسموعة، والمرئية والعنكبوتية- تعتبر أقوى وسيلة ساعدت الغرب على احتلال العقول، وعلى نشر ثقافته على نطاق واسع لم يكن يتصوره، فلم يبق بيت إلا دخلوه بغير استئذان، ونقلوا إليه أفكارهم وقناعاتهم وتقاليدهم، ومن أقوى الوسائل تأثيرا -في نظري- الأفلام، فهي تعرض لنا حياتهم الخاصة بطريقة غير مباشرة، فيخرج المتفرج معجبا بالقصة التي عرضها “الفيلم” من غير أن يشعر أنه قد سرَّب إليه نمط حياة الرجل الغربي، وجعله معجبا به، بل وحقنه بجرعات خفيفة جدا لا يشعر بها من القناعات والأفكار التي تتعارض مع دينه الذي ينتسب إليه، هذا إذا لم يكن “الفيلم” يهاجم الإسلام والمسلمين بطريقة مباشرة.
3- المدارس الأجنبية: أقصد بها المدارس التي زرعها المحتل الغربي في مجتمعنا وهي تابعة له في برامجها ومقرراتها ونظمها، فهذه المدارس أعطيت مكانة خاصة، وأعطي المتخرجون منها أسبقية وأولوية على غيرهم، جعلت ضعفاء الإيمان من المسلمين يَزُجون بأبنائهم فيها ليرضعوا من لبانها قبل الفطام، حتى تنبت منها لحومهم، وتنشز منها عظامهم، وتثبت لها من الرضاع بنوتهم، فهي مَعَامِلُ لإنتاج جيل على النموذج الغربي بامتياز، يدين بالولاء الكامل للغرب، ويؤهل ليتولى مناصب القرار، ويرعى المصالح الغربية في البلاد. وهناك فئة أخرى من هذا النوع يتم إنتاجها في البلاد الغربية، ثم يبعث بها إلى البلاد الإسلامية؛ لتبلغ الرسالة وتؤدي الأمانة.
4- التدخل في البرامج المدرسية: إن المتأمل في المقررات المدرسية لبعض الدول الإسلامية يظهر له جليا أن هناك تدخلا مباشرا للغرب في البرامج المدرسية المقررة على أبناء المسلمين، بل وتحريفا للشريعة الإسلامية أحيانا، حتى تلتقي مع الفكر الغربي والرؤية الغربية للأشياء. ولا شك أن هذا يضمن لهم السيطرة على مستقبل البلاد، فصغار اليوم هم رجال الغد.
كانت هذه بعض الأساليب الماكرة التي انتهجها الغرب ولا يزال من أجل احتلال عقول المسلمين وتسخيرها لخدمة مصالحه، وهناك أساليب أخرى أُرْجِئُها لمقال لاحق إن شاء الله، وصدق الله تعالى إذ قال: “وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ، قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ ” البقرة 120.
فلا أدري متى يستيقظ المسلمون من غفلتهم؟ ومتى يعلنون توبتهم إلى ربهم، وأوبتهم إلى رشدهم؟
“أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ” الحديد 16.