الشباب والتطرف: الأسباب والحلول عبد الصمد عيادي – عبد العزيز وصفي

أصبحنا نعيش اليوم تفلتا من قيم الإسلام السامية، التي أمر الله عز وجل بها عباده، فصار شبابنا -بطبيعة الحال دون تعميم- لا يعرف ما له وما عليه، وأضحى ينصاع إلى من لا علم له، يسمع له ويطبق ما يقوله بالحرف، وصار يعشق الانحراف ويتشبع بالأفكار الشاذة والهدامة، ولهذا صار لزاما علينا أن نشير إلى ضرورة تحسيس الشباب بمخاطر التطرف والتهور.

وقبل الحديث عن أسباب تطرف الشباب وبعض الحلول المقترحة للحد منه، لابد من بيان معنى الشباب ومعنى التطرف.

مفهوم الشباب:

فالشباب اسم مأخوذ من مادة شب يشب فهو شاب والجمع شباب، ومنه قول ابن فارس في المادة المذكورة “الشين والباء أصل واحد يدل على نماء الشيء، وقوته في حرارة تعتريه. من ذلك شببت النار أشبها شبا وشبوبا. وهو مصدر شبت. وكذلك شببت الحرب، إذا أوقدتها. فالأصل هذا. ثم اشتق منه الشباب”[1]. وهذا ما يبين أن الشباب هم الذين يعيشون مرحلة من العمر تمتاز بالقوة والحركة، وهي مرحلة بين ضعفين ضعف الصغر وضعف الكبر، وهي التي أشار إليها الله تعالى بقوله “اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ” (الروم54).

 

مفهوم التطرف:

وأما التطرف فهو بمعنى الشيء البعيد ومنه سمي البعيد عن الحق متطرفا، وهو مأخوذ من فعل تطرف يتطرف تطرفا، جاء في معجم اللغة العربية “التطرُّف: المغالاة السياسية أو الدينية أو المذهبية أو الفكرية، وهو أسلوب خطِر مدمِّر للفرد أو الجماعة”.[2]

أي أن التطرف هو كل فعل أو سلوك يصدر من الشباب، مخالف للحق وللصواب.

ومنه فالقصد بالشباب والتطرف، الأفعال والسلوكات التي تمتاز بالغلو سواء من الناحية الدينية أو الفكرية أو غيرهما.

 

أسباب تطرف الشباب:

هناك أسباب عديدة تؤدي بالشباب إلى التطرف -خصوصا التطرف الديني والسلوكي- والبعد عن الحق وعن الصواب ويمكن إبراز بعضها كما يلي:

أولا: الجهل بحقيقة الشرع (الدين الوسطي):

يؤدي الجهل بأحكام الشرع وسوء فهمه، وكذا عدم إدراك ما يسعى إلى تحقيقه من مصالح ودرئه من مفاسد؛ بالشباب إلى الطيش ورغبتهم في البحث عن الحور العين في الجنة ولو بطريقة غير مشروعة، فتجد أكثرهم يقومون بتفسير بضعة أحاديث على أهوائهم، ثم يخرجون في فئة قليلة يدعون إلى الجهاد وإلى نصرة الإسلام دون ضوابط ودون إذن ولي الأمر.

وإنما ذلك كله بسبب جهلهم وسوء فهمهم للدين، فتجد بعضهم يذهب بحثا عن الموت -بزعمه- في سبيل الله تاركا خلفه أسرة لا تجد من يعولها ولا من ينفق عليها، ألم تر أن الصواب والأحسن هو خدمته لأسرته التي تحقق فيها معنى الجهاد قبل الذهاب إلى أمر مجهول.

فعن عبد الله بن عمرو: “أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد فقال: «أحي والداك؟». قال: نعم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ففيهما فجاهد»[3]، فبين له النبي عليه السلام أن هناك جهاد أولى مما أراده وهو خدمة الوالدين ويدخل في ذلك خدمة الأسرة، وقد أدى الجهل بكثير من الشباب إلى التهور والتطرف عن الحق، فوُجِدَ بعضهم وقد ترك أبناءه ووالديه وذهب للجهاد في سوريا، أو في العراق، ظنا منه أن ذلك هو الأولى والمقدم في الفعل، في حين أن خدمته وعياله لصاحبته وأبنائه أولى، وإنما الذي جعله يفعل ذلك الفعل المشين هو الجهل بالشرع والانقياد إلى الفكر الشاذ والمتطرف.

 

ثانيا: الفراغ

هناك كثير من الشباب يعيشون اليوم فراغا مهولا، حيث لا يجدون ما يملؤون به أوقاتهم، وهو ما يؤدي بهم إلى الدخول في جماعات أو البحث عن طائفة تبرز لهم أنهم ضروريين في هذا الكون فتحشد عقولهم بالفكر المتطرف، حتى يصبحوا ألعوبة في أيديهم، يفعلوا بهم ما أرادوه، ولهذا فملئ وقت الفراغ بالنسبة للشباب أمر ضروري، نحو إقامة مرافق رياضية يبرزون فيها ذواتهم أو مسابقات في فنون متنوعة مثل ركوب الخيل والسباحة وما شابه ذلك من الأمور النافعة التي يملأ بها الشباب أوقاتهم، وإلا فمن لم يملأ وقته بالعمل النافع لمجتمعه فإنه سينحرف ويتيه، ويسقط سقوط المغشي عليه في جميع أنواع التطرف، مما يجعله عالة على مجتمعه، يقطع الطرق على المارة، وينهب أموال غيره ظلما وعدوانا أو يبحث عن مجال لتفريغ طاقته خارج البلد باحثا عن ما يسميه بعضهم الجهاد والبحث عن الحور العين في سوريا أو العراق.

ثالثا: الشعور بالغربة داخل وطنهم

يعتبر نبذ الشباب وعدم الاهتمام بهم في مراحل قواهم من الأسباب التي تؤدي إلى التطرف، فكل شاب شعر بأنه منبوذ غريب لا قيمة له ولا معنى له في وطنه؛ سعى بكل ما له من قوة باحثا عن ما يُثِبتُ به نفسه، وبهذا قد ينتمي إلى منظمة إرهابية أو إلى جماعة تقطع الطرقات وتنهب أموال الناس ظلما وعدوانا وتخيف العامة والخاصة، لإبراز ذاته.

ولهذا فإن الاعتناء بالشباب في جميع مراحلهم أحد الأسباب التي تكمن وراء الاستفادة من طاقتهم وقدراتهم، ليخدموا وطنهم ويفيدوه في المجالات كلها؛ اقتصاديا وسياسيا وثقافيا.

رابعا: الخمر والمخدرات

من الأسباب كذلك التي تؤدي إلى تطرف الشباب وانحرافهم، تعاطيهم للخمر والمخدرات اللواتي يذهبن العقل، ويعطلن اشتغاله وأداءه للوظيفة التي أنيطت به، فمن خمَّر عقله وعطله صار متطرفا منحرفا يفعل كل قبيح ويرتكب كل غريب غير مبال بأضراره التي تصيب الناس حوله.

لقد كانت تلك بعض الأسباب التي تؤدي في نظري إلى تطرف الشباب وانحرافهم وسوء تفكيرهم، ويمكن ذكر بعض الحلول والمقترحات للقضاء على التطرف والنهوض بالشباب وتوعيتهم كما يلي:

حلول ومقترحات للحد من التطرف:

أولا: الدعوة إلى العلم

إنا الشباب المتعلم خير من الجاهل ولا يمكنه أن ينحرف وينجرف مع التيارات بسهولة، ولا أن يضحك عليه الجهلاء بما يدمر حياته وحياة أسرته، ولهذا وذاك فالتعلم مفتاح الحفظ على الشباب وعلى طاقتهم الإيجابية المدفونة في ذواتهم، وقد دعا القرآن إلى العلم والتعلم والقراءة بلفظ عام يشمل الأطفال والشباب فقال عز وجل: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} (سورة اقرأ1-2-3)، وذلك لما في القراءة من فوائد جمة، تنفع جميع أطياف المجتمع وينتقل خيرها ليصل إلى جميع الكائنات بعدما استفاد منه الإنسان نفسه.

ثانيا: بناء مراكز تكوين الشباب:

لمحاربة تطرف الشباب على الدولة أن تعتني بهم عن طريق إدماجهم في مؤسسات تابعة لها تهدف إلى تكوينهم وتنشئتهم على الأخلاق النبيلة، ومن خلالها تعلمهم مجموعة من الحرف التي يملئون بها فراغهم، وتعمل أيضا على تحقيق مواهبهم فمن أحب السباحة يسرت له الأمر، ومن أحب كرة القدم يسرت له ذلك وأدمجته في أحد الأندية إلى غير ذلك.

ثالثا: حماية الشباب من الوقوع في شبكة المخدرات:

إن حماية الشباب من الوقوع في شبكة المخدرات، وبذل جهود ثمينة لإخراجهم منها بعد الوقوع فيها، سيؤدي حتما إلى محاولة القضاء على التطرف والانحراف، وذلك عن طريق الحفاظ على عقول الشباب لتبقى سليمة مستعدة لتقبل الأفكار الإيجابية الفعالة الهادفة إلى بناء أجيال نافعة  وحضارة مثلى، فإذا بذلت الدولة جهودا نافعة للقضاء على المخدرات فإنها بذلك تكسب شبابا قادرين على حماية البلد والنهوض به سياسيا واقتصاديا وثقافيا.

وهكذا فقد كانت تلك بعض أسباب تطرف وانحراف الشباب، وبعض الحلول المقترحة للحد منها، وقد جاءت مختصرة معتصرة، لعلها تفيد ولو بشكل يسير في النهوض بجميع أطياف المجتمع وتُنشر لقيم ويعم الأمن الفكري والاجتماعي في شتى أنحاء الوطن الكريم.

والحمد لله رب العالمين.
—————–
[1] (مقاييس اللغة3/177).
[2] (معجم اللغة العربية2/1396).
[3] (الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي2/229).

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *