تطهير الأذهان من افتراءات مدير جريدة الأسبوع الصحفي على الخليفة الراشد عثمان بن عفان الحلقة الثالثة أبو عبد الرحمن ذوالفقار

دحض ما جاء في مقال مصطفى العلوي من افتراءات:

– فرية ادعائه أن عثمان بن عفان رضي الله عنه هو من ابتدع الرأسمالية؟
قال مصطفى العلوي: (واتفق المؤرخون جميعا ..أن الخليفة عثمان، هو أول من ابتدع الرأسمالية)(1)، نعم هكذا قال (واتفق المؤرخون) دون أن يسمي لنا أحدا من هؤلاء المؤرخين، (جميعا) توكيد لا يبقى معه منفذ للشك في أنه لا خلاف بين المؤرخين في تقرير رأسمالية عثمان رضي الله عنه، وهذا كله من غير أن ندري كيف حصل لمدير الجريدة العلم بهذا الاتفاق أعن استقراء و استقصاء أم هو مجرد ظن و تخمين؟
أما قوله (أن الخليفة عثمان، هو أول من ابتدع الرأسمالية) يعني -في زعمه- أن عثمان بن عفان رضي الله عنه لم يكن مجرد رجل أعمال رأسمالي انتهازي جشع يعمل على تحصيل الربح بأية وسيلة، و تحقيق أكبر قدر من الدخل، ولا يهمه إلا إسعاد نفسه ونماء رصيده البنكي ولو على حساب راحة ملايين الناس. هكذا حاول مدير الجريدة تصويره في ذهن القارئ عند قوله: (ومن عجائب الدنيا، أن الخليفة عثمان، كان يزداد حبا في المال و التجارة كلما ازدادت الظروف تعقيدا..)(1)، بل هو في نظره أكثر من ذلك، هو واضع أسس النظام الرأسمالي في الاقتصاد، والمنظر لمبادئ الاستغلال؛ هو أول من ابتدع الرأسمالية!! .
عجبا أو ليس لكل نظام معالم و أسسا؟
أو ليس الرجل الرأسمالي هو من يؤمن بمبادئ الرأسمالية و يُفَعِّلها بصدق في واقع حياته؟ فإن كان الجواب هو: بلى.
فأين تتجلى إذن معالم وأسس النظام الرأسمالي في طرق كسب المال عند عثمان بن عفان رضي الله عنه، وفي معاملاته التجارية؟
ومن يصدق هراء هذا الصحفي في دعواه رأسمالية عثمان رضي الله عنه، وهو الذي رضي الله عنه ثبت عنه بالأسانيد الصحاح أنه حظي برفيع المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهد له بجزيل الثواب بقوله عليه السلام: {ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم}(2)؛ نتيجة بذل جهد طاقته وكامل وسعه في إنفاق ماله، دون التفكير في اغتنام فرصة قسوة الوضع في ظرف عصيب(3).
(روى ابن عباس رضي الله عنه: أنه قحط المطر على عهد أبي بكر الصديق، فاجتمع الناس إلى أبي بكر، فقالوا: السماء لم تمطر، والأرض لم تنبت، والناس في شدة شديدة. فقال أبو بكر: انصرفوا، واصبروا، فإنكم لا تمسون حتى يفرج الله الكريم عنكم. قال: فما لبثنا أن جاء أجراء عثمان من الشام، فجاءته مئة راحلة بُرّا -أو قال: طعاما- فاجتمع الناس إلى باب عثمان، فقرعوا عليه الباب، فخرج إليهم عثمان في ملأ من الناس، فقال: ما تشاؤون؟ قالوا: الزمان قد قحط؛ السماء لا تمطر، والأرض لا تنبت، والناس في شدة شديدة، وقد بلغنا أن عندك طعاما، فبعنا حتى نوسِّع على فقراء المسلمين. فقال عثمان: حبا وكرامة ادخلوا فاشتروا، فدخل التجار، فإذا الطعام موضوع في دار عثمان، فقال يا معشر التجار كم تربحونني على شرائي من الشام؟ قالوا: للعشرة اثنا عشر. قال عثمان: قد زادوني. قالوا: للعشرة خمسة عشر. قال عثمان: قد زادوني. قال التجار: يا أبا عمرو ما بقي بالمدينة تجار غيرنا، فمن زادك؟ قال: زادني الله -تبارك وتعالى- بكل درهم عشرة، أعندكم زيادة؟ قالوا: اللهم لا! قال: فإني أشهد الله أني قد جعلت هذا الطعام صدقة على فقراء المسلمين!)(4).
قل لي بربك يا مصطفى العلوي ولا تخجل من نفسك، هل هذه عقلية من يزداد حبا في المال كلما ازدادت الظروف تعقيدا؟
بل هل بهذه الطريقة يفكر الرجل الرأسمالي الذي يتربص بالناس الدوائر، ويتحين الفرص لامتصاص دماء فقرائهم بلا رحمة ولا شفقة ولا عطف؟!
فما الذي حملك على السير بسرعة في هذا المنعرج الخطير؟
– هؤلاء هم أسلافك يا مدير جريد الأسبوع الصحفي.
ليته انتهى عند هذا الحد، لكن للأسف الشديد تمادى في غيه، إذ حاول تصوير عثمان رضي الله عنه برجل أعمال شرس متشبث بمنصب الخلافة تأمينا لمصالحه وقضاء أغراضه وأطماعه، وذلك بإتمام ما سبق من نفثه عند قوله: (ومن عجائب الدنيا، أن الخليفة عثمان، كان يزداد حبا في المال والتجارة كلما ازدادت الظروف تعقيدا، وكان يردد أمام الناس ما كنت لأخلع قميصا قمصني إياه الله، ولأن أقدم عنقي لتضرب أحب إلي من أن أنزع سربالا سربلني به الله..). وعرضه هذا الكلام في هذا السياق، كما لا يخفى هو تحريف منه لواقع الحال، حيث تحدث عن عثمان رضي الله عنه، وكأنه يتحدث عن أحد رجال أعمال هذا الزمان الذي أُشربت نفسه بعد الاحتلال، حب الاستقرار في مناصب القرار، قصد بسط النفوذ وتمرير الصفقات والسطو على الأراضي والممتلكات. مع أن عثمان رضي الله عنه لم يرشح نفسه للخلافة، ولم يُرو عن أحد أنه هو الذي رشح نفسه. وإنما الذي رشحه هو الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ضمن خمسة من إخوانه الأخيار، وهم علي بن أبي طالب، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله رضي الله عن الجميع. وانتهت عملية الفرز بالاتفاق على بيعة عثمان رضي الله عنه، كما هو مبسوط في كتب السير. أما رفضه رضي الله عنه للتنازل على الخلافة للمتمردين لم يكن حبا للمنصب، ولا طمعا في تأمين مداخل أمواله، وإلا لقاتل عليها. وإنما كان إصراره على عدم التنازل، حتى لا يكون خلعه سنة، كلما كره قوم خليفتهم خلعوه. وهذا كله كان منه رضي الله عنه وفاء لعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال له:{ يا عثمان، إن الله -عز وجل- عسى أن يلبسك قميصا، فإن أرادك المنافقون على خلعه، فلا تخلعه حتى تلقاني}(5).
فليحمد الله كثيرا مصطفى العلوي فإن لطفه به كبير إذ لم يجعله من أهل زمان عثمان، وإلا لكان من هؤلاء الذين وسمهم رسول الله عليه السلام بالنفاق، فليحذر أن يكون من نسلهم وسلالتهم، أما عن نهجهم وطريقتهم، فإنه بينه وبين هؤلاء شبه في التصور {فبئس القرين}(6).
صحيح أن مدير الجريدة ليس غريبا أن تنطلي على مثله قصص مكذوبة، أو ينقل خطأ روايات موضوعة، لاسيما وأنه قليل الزاد وليس من أهل الاختصاص. لكن هذا لا يعفيه من إعلان تراجعه عن سب الصحابي الجليل والتوبة من ذلك، والاعتراف علنا لقرائه بخطئه تأكيدا لصدقه وحسن نيته، وإلا انضم تلقائيا -على الأقل- بإصراره وسكوته بعد تكلمه إلى سلك الكذابين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر مقال “البيزنيس.. قتل خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم”،جريدة الأسبوع الصحفي العدد 557/994 الجمعة 14 رمضان 1430/الموافق ل 4 شتنبر 2009.
(2) صحيح سنن الترمذي رقم 3701.
(3) أنظر الحلقة السابقة من هذه السلسلة.
(4) تاريخ الخلفاء الراشدين 3/54 للدكتور علي محمد محمد الصلابي.
(5) إسناده صحيح، انظر تاريخ الخلفاء الراشدين 3/51. وراجع تمام حادثة إصراره في كتاب العواصم من القواصم لأبي بكر بن العربي.
(6) سورة الزخرف الآية 38.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *