قراءة في كتاب: مشروع الحركة النسوية اليسارية بالمغرب منطلقاته، أهدافه، ووسائله المجتمع المغربي أنموذجا الطبعة الأولى: 2006 حجم الكتاب: 16.5/24 سم عدد صفحات الكتاب: 152 صفحة الكاتب: د.عبد الرحمن محمود العمراني الناشر: مجلة البيان قراءة: أحمد السالمي

الحركة النسوية في العالم العربي

تبذل الحركة النسوية في العالم العربي الذي يُعد المغرب جزء منه جهودا حثيثة في محاولة تحقيق وتنفيذ القرارات والتوصيات الصادرة عن الأمم المتحدة وخاصة مؤتمر بكين 95، وتطبيق اتفاقية مكافحة كل أشكال التمييز ضد المرأة والتي تعرف اختصارا بـ (السيداو)، التي تعني في حقيقتها إلغاء الفروق التشريعية بين الرجل والمرأة، ومحاولة إلغاء آثار الفروق البيولوجية بينهما، ما يعني في النهاية القضاء على الصورة الشرعية والإنسانية للأسرة التي تتكوّن فيها الأسرة من زوج وزوجة وأولاد، وتكون فيها المرأة مقصورة على زوجها وراعية لأطفالها تَلُفُّهم بحنانها ومسؤوليتها، إضافة إلى تدبيرها لأمر بيتها وطاعتها لزوجها في جو من الألفة والتعاون، وابتداع صورة متعددة للأسرة التي تتكون فيها الأسرة من زوجة وعدة أزواج، أو من زوج وزوج (اللواط)، أو من زوجة وزوجة (السحاق).
ولنا أن نتساءل: ما المردود الحقيقي لهذه الحركة النسوية في مجتمع المسلمين، بعيدا عن ضجيج الألفاظ الفخمة والصياح العالي؟ ما الذي تقدمه هذه الحركة -حقا- للنساء؟ وما القضايا المحورية التي تريد تلك الحركة الوصول لتحقيقها، بعيدا عن القضايا الفرعية الهامشية التي تستخدم لتسهيل ما بعدها أو لإغضاء الطرف عنه؟
هذا وغيره يمكن أن نطالعه في سلسة من الإصدارات قامت بها مجلة البيان في محاولة منها لمواجهة قوى التغريب والانحلال، وهذا الكتاب الذي بين أيدينا منها.

مشروع الحركة النسوية اليسارية بالمغرب
يبدأ المؤلف كتابه بإبراز مكانة المرأة في الإسلام، وتسليط الضوء على دور الفئة المغربية المنبهرة بالحضارة الغربية والمتأثرة بالفلسفة الوضعية التي حملت لواء الدفاع عن حقوق المرأة انطلاقا من إيديولوجيتها الغربية وتنفيذ القرارات الدولية.
ليأتي بعد ذلك الفصل الأول الذي عنونه بـ”مشروع الحركة النسوية –منطلقاته وأهدافه-” ليبين أن مشروع الحركة النسوية يهدف إلى تحقيق مبدأين اثنين هما مبدأ المساواة بين الجنسين موضحا “أن كل الكتابات النسوية تظهر أن المساواة بين الجنسين يراد بها تحقيق المساواة التامة بين المواطنين المواطنات والقضاء على كل أشكال التمييز بما فيها التمييز المبني على أساس الجنس، وهذا التمييز يعود في نظر الفكر العلماني إلى زمن بعيد في الحضارات البدائية بمعنى أن وضع المرأة لم يتغير بمجيء الإسلام عما كان عليه وضعها قبله!! مستندة في هذا المبدأ على ميثاق الأمم المتحدة؟!” أما المبدأ الثاني فهو مبدأ تحرير المرأة “التي أريد باسمه أن تكون المرأة لعبة في يد المؤسسات التجارية العالمية التي استخدمتها طعما للاصطياد بها في أسواق المال وباسم الحرية أن تكون سلعة تعرض في الشوارع يتاجر بعرضها، وباسم الحرية تصير عشيقة وخليلة الكل، ولم تحدد الحركة وهي تنادي بتحرير المرأة موقفها من الخطوات التي رسمتها الحضارة الغربية لذلك، ولم تعتبر بوضع المرأة الغربية النفسي والاجتماعي لا المادي فقط، بدل أن تعتمدها نموذجا غير قابل للنقد ولا المراجعة”.
ثم تطرق في هذا الفصل لواقع المرأة من خلال مشروع الحركة النسوية، وذلك انطلاقا من وضع المرأة داخل الأسرة، ووضعها في الواقع، ووضعها في ظل القوانين الجاري العمل بها، وناقش رؤية الحركة لهذه الوضعيات بالنسبة للمرأة المغربية، كما أشار إلى أن وضع المرأة يحتاج إلى تصحيح في أغلب البلاد الإسلامية، لكن وفق الثوابت الإسلامية ويشارك فيها العلماء العاملون والمصلحون.
ولاحظ الكاتب على الحركة النسوية عدم إكتراثها للمرجعية الإسلامية، وخروجها عن الضوابط الشرعية في معالجتها، وتبنيها المطلق للمرجعية المتمثلة في المواثيق الدولية وتوصيات المؤتمرات العالمية حول المرأة.
ثم بَيَّن الكاتب مطالب الحركة النسوية، وعرج على الحملة الشرسة التي قادتها الحركة ضد مدونة الأحوال الشخصية، وذكر مجمل المطالب الواردة في مشروع الحركة النسوية المتعلقة بمدونة الأحوال الشخصية المغربية، وأن قراءة بسيطة لها وللفلسفة التي تقوم عليها تفيد أن ما يراد للأسرة في بلادنا ليس منفصلا عن أصله في توصيات المؤتمرات الدولية حول المرأة ومن ورائها المؤسسات المالية العالمية التي تطمح إلى عولمة البشرية بالقضاء على مراكز الحصانة والمناعة الخلقية والاجتماعية وعلى رأسها قلعة الأسرة انطلاقا من ضرب مفهومها واقتراح أشكال متعددة لها، فالجبهة العلمانية إنما تعمل على هدم المحضن الوحيد الأكثر فعالية والأكثر دفئا وأمنا للتدين في المجتمع.
كما لفت الكاتب أنظار القراء إلى تغافل الحركة عن معاناة المرأة من أنواع الاستغلال الشهواني والتجاري لجسدها الذي أصبحنا نراه ونسمع عنه ويقع دون أن يعتبر ذلك فعلا مهينا لكرامتها، ولا يتحدث عن معاناتها من انتشار ظاهرة البغاء التي هي أكبر أنواع العنف الممارس ضدها والمسكوت عنها، مثلما يتم السكوت عن ممارسة التضييق على المرأة المتدينة في عملها إذا اختارت تغطية الرأس!!.
وفي المبحث الأخير في هذا الفصل ناقش الكاتب مصير مطالب الحركة النسوية وتعديل مدونة الأحوال الشخصية.
وجاء الفصل الثاني بعنوان “مشروع الحركة النسوية ضوابط ومنافذ، إنجازه ومرجعيته” وتحته ثلاثة مباحث: الأول عنونه بـ”الضوابط الوهمية والخلفيات الخلقية في مشروع الحركة النسوية” وبيَّن فيه أن هذه الضوابط إنما هي ضوابط وهمية زائفة في خطاب الحركة النسوية، وأن الخلفيات الخلقية المراد تحقيقها تأتي زعما باحترام الهوية الإسلامية، وتناقض مقترحاتها المسطرة، وناقش تصريحها بضرورة الاجتهاد لضمان استمرار الإسلام، وأنها إنما تعني به قراءة النصوص قراءة جديدة تنسجم وموجة تحرير المرأة عالميا.
ويأتي اهتمامها بالصحة الإنجابية للمرأة، وتُدرج معها حديثها عن أهمية العازل الطبي في الوقاية من الأمراض الجنسية، وتدعي أن خطابها يعتمد المنهجية العلمية في الخطاب وفي التحليل، ويكذبه الواقع العلمي عند الإنجاز.
وحاول في المبحث الثاني الذي أدرجه تحت عنوان “وسائل تسويق مشروع الحركة النسوية” رصد أهم القنوات لتصريف مشروع الحركة النسوية، وأن لكل واحد منها أهمية في إيصاله إلى فئة من فئات المجتمع، وتقوم بالدور الأكبر في ذلك الأسرة ثم المدرسة والإعلام بأنواعه، ولذلك كان اهتمام الحركة النسوية ولا يزال يلح على ضرورة تغييرها لتنسجم مع مضامين الاتفاقيات الدولية وتوصيات المؤتمرات العالمية حول المرأة.
وجاء المبحث الثالث “علاقة مشروع الحركة النسوية بالمرجعية الغربية” متضمنا استدلال الكاتب من خلال إنتاجات ومصادر الحركة النسوية أن خطاب مشروع الخطة كان خطابا مخالفا في بعض جوانبه لأحكام الشريعة الإسلامية، ولا يكترث لضوابط مقومات الشخصية المغربية فإنه على عكس صفة الوطنية التي ألصقت به كتب أولا باللغة الفرنسية، ولرفع الحرج ترجم ترجمة ضعيفة غير متناسقة مع الأصل لتكشف غربتها عن السياق العام للمعرفة في البلد.
ويختم د.عبد الرحمن محمود العمراني كتابه بدعوة إلى قيام حركة نسوية منضبطة للمرجعية الشرعية لتقديم صورة إيجابية عن المرأة المسلمة، وتوضيح القيم والمفهومات التي تنبني عليها العلاقات بين أفراد الأسرة بميزان العدل الرباني.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *