جمالية أوصاف القرآن وأثرها في تهذيب النفوس المصطفى خرشيش

ختم الله سبحانه الرسالات بخير كتاب أنزل، على قلب خير نبي أرسل، إلى العالمين مبشر ومنذر، بجوامع الكلم وفصاحة الكلام، وآتاه الله ما لم يؤته أحدا من العالمين؛ سبعا من المثاني والقرآن العظيم، نسأل الله أن نكون خير خلف له في النهوض بهذه الرسالة العظيمة وتنفيذ تعاليمها السمحاء، وجماليتها الفيحاء، احتواء لها لكل شيء في الحياة ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾  [الأنعام، 38].

ووصف الله الكتاب العزيز بأوصاف لو تأملها السامع جيدا وتقرب منها وفهمها فهما صحيحا أخذت بمجمع قلبه، وسحرته أيما سحر، وجذبته إلى حيث الطريق المستقيم.

وما سنتحدث عنه هنا يبرز جمالية القرآن في نوع من البهاء؛ والحسن والنقاء، بعيدا عن التعاريف والحدود والرسوم المنطقية التي تقتل روح القرآن وتجعله محصورا في مجموعة قيود لا يمكنها أن تعبر عن بيانه وجماله، ولا عن درره وذخائره، بل نريد أن يتمثل القرآن في صورة يحس القارئ أو السامع معها بالميول القلبي الخاضع، وقلبه في ذلك كله خاشع.

ذلك لأنه وحي الله المتلو؛ وألفاظه ومعانيه من عند الله؛ إذ «كلام الله تعالى واحد، وهو مع وحدته متضمن لجميع معاني الكلام»[1].

فهو واحد من حيث إنه لا تناقض فيه ولا تباين أبدا؛ لأنه صادر من عند الواحد الأحد، بخلاف كلام البشر؛ فإنه يعتريه النقص والتحريف والتبديل، …وهو متضمن لجميع معاني الكلام؛ لأنه صالح لكل زمان ومكان إلى قيام الساعة، إذ هو منهج الحياة كلها؛ لذا ينبغي في التعامل معه الاحترام والتأدب بآدابه والتخلق بأخلاقه، والدقة في فهمه، والعمل بأحكامه؛ لأن «من خواص القرآن أن ألفاظه ومعانيه من عند الله »[2].

وهو إلى جانب هذا كتاب إعجاز لفظا ومعنى؛ للخلق عربا وعجما، يقول الحق سبحانه: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ [الإسراء.88]. فلا يستطيعون أن يأتوا بمثله، بل حتى بسورة من مثله.

ومن خلال هذا نستشف أن الإنسان مهما بلغ في استكناه مضامين هذا النص القرآني البليغ؛ فإن ذلك يبقى في حدود استطاعة القدرة البشرية المحدودة، وكل يأخذ منه على قدر فهمه وقدرته على فهم درره، ومعرفة أحكامه وحِكَمِه؛ لشمولية هذا الكتاب وضخامة حمولته ومسؤوليته: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأنعام، 38]»[3].

ويوصف هذا الكتب بأوصاف يعجبك سماعها، وتجذبك كلماتها، وتأخذ بقلبك جماليتها، فتعال معي لنعرف بعضها لا كلها، وبإجمالها لا تفصيلها، وهذه هي:

أولا: القرآن هداية وبشرى

يقول الحق سبحانه: ﴿الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة،1]، ويقول الحق جل في علاه: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ [الإسراء]، ويقول عز من قائل: «فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ» [البقرة،97].

لقد وصف الحق سبحانه القرآن بهذين الوصفين الجليلين في المبنى، الساحرين في المعنى، إذ قوة دلالتهما معبرة عنهما وناطقة باستعمالهما، فلا يوحيان بشيء من الإلزام والفرضية، بل بلون من تليين القلوب وتبشريها، فالهداية ناطقة بإرادة الخير  للإنسان، والبشارة مبينة ومطمئنة لمصير الخليقة في نوع من البيان، ومن خلالهما معا نستشف أن رحمة الله قريب من هذا المخلوق؛ وذلك بإرسال الرسل بالرسالات بشارة ونذارة من أجل هدايته؛

وما أحوجنا اليوم إلى أن نسلك مسالك الهداية القرآنية وذلك بقراءته، والعلم به، وتأمل أحكامه وحكمه، وتنفيذ تعاليمه السمحاء؛… لأنه هداية للطريق الصحيح التي رسمها الله سبحانه لعباده، وبشرى للمؤمنين بنوع من الترغيب على الإقبال على هداية الحق المبين.

ولقد ساق سيد قطب رحمة الله عليه كلاما نفيسا في كتابه ”الظلال” في معرض شرحه قولَه تعالى «هذى للمتقين» فقال: «الهدى حقيقته، والهدى طبيعته، والهدى كيانه، والهدى ماهيته.. ولكن لمن؟ لمن يكون ذلك الكتاب هدى ونوراً ودليلاً ناصحاً مبيناً؟ .. للمتقين.. فالتقوى في القلب هي التي تؤهله للانتفاع بهذا الكتاب. هي التي تفتح مغاليق القلب له فيدخل ويؤدي دوره هناك. هي التي تهيئ لهذا القلب أن يلتقط وأن يتلقى وأن يستجيب.

لا بد لمن يريد أن يجد الهدى في القرآن أن يجيء إليه بقلب سليم. بقلب خالص. ثم أن يجيء إليه بقلب يخشى ويتوقى، ويحذر أن يكون على ضلالة، أو أن تستهويه ضلالة.. وعندئذ يتفتح القرآن عن أسراره وأنواره، ويسكبها في هذا القلب الذي جاء إليه متقياً، خائفاً، حساساً، مهيأ للتلقي..»[4].

ذلك أن الهدى له ارتباط وثيق في الإقبال على هداية الله في كتابه بسلامة الصدور، وخلوها من التشكيك والأحقاد، والرغبة الملحة في ذلك حتى تستنير بذلك الطريق، ويظهر لمعان الحق كالبريق.
—————————-
[1] المستصفى للغزالي ص:80
[2] علم أصول الفقه وخلاصة تاريخ التشريع لعبد الوهاب خلاف (ت: 1375هـ)،: مطبعة المدني «المؤسسة السعودية بمصر»
[3] الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم، ج:1، ص:95.
[4] في ظلال القرآن لسيد قطب دار الشروق القاهرة، ط: 17- 1412 هـ، ج:1، ص:38.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *