على شفيـر الإفـلاس ذ. عبد اللطيف لبقادري

كيف يمكن أن نقيس تحضر الأمم؟

هل من كثرة ناطحات السحاب في مدنها، أم بنوع سياراتها الفارهة التي يركبها سُكانها؟

ولِمَاذا لا تُقاس بعدد مهرجاناتها الفنية؟

للأسف لا شيء من السابق ذِكرُه يَمُت بِصِلَة إلى تطور الأمم لا من قريب ولا من بعيد.

قبل أن نَخلُص إلى جواب شاف لهذا السؤال لما لا نُعَرِّجُ على الشارع المغربي ونتمعن في أركَانِه وأَزِقتِه، في سُكانه ومُرتاديه، في صغاره وكباره، ثم نجيب عن التساؤل المطروح هل يُعتَبَرُ شارعنا المغربي سليم؟ وهل يُمثِل بيئة صالحة للمضي قدما بهذا الوطن إلى الأمام؟

لا أحد يجادل بأن الشارع هو المِرآة التي يمكن من خلالها أن ترى ثم تدرس فتستنتج  جُلَّ أعطاب شَعب ما.

وعليه، وبعيدا عن لغة الخشب وبدون تعميم، إننا على شفير الإفلاس يا سادة. نعم وأعني ما أقول. إذ نَلحَظ التفكك القِيمِي يتفاقم يوماً بعد يوم، حيث تُضرب بِعَرض الحائط  كل الأعراف والتقاليد التي عاش عليها الأجداد ولا زال يعيش عليها زُمرَة من أبناء هذا الوطن، لكن لا تكاد تَجِدُهم وسط شارعٍ تَطغى عليه البَذائَة وتَكسُوه قِلَّة الذوق.

كيف يصل كثير من شبابنا إلى فقدان البوصلة وكيف تجد يافعين يعيشون التخبط في حياتهم اليومية مما ينعكس بالسَّلبِ على مسارهم المدرسي،  والإحصائيات الرسمية تؤكد قولي وذلك عندما تجد عدد مَهُولا من هذه الفئة العمرية تُغادِر صُفوف الدراسة.

وهُنا أتساءل معكم إلى أين؟ هل هناك وجهة أخرى؟ بدون شك إلى الشارع. هذا الأخير أمسى شريكا محوريا في تربية النشء وبالتالي صناعة شخصيات وعقول أطفالنا وشبابنا.

أضحى الشارع المغربي مرتعا للفوضى والتسيب. تجد أناساً يرمون النفايات حيث شاؤوا بدون ضوابط صحية ولا بيئية. وكذلك نكتوي من حين لآخر بأخبار سرقات وترويع المُسَالِمين بالسلاح الأبيض والأسود.

في الشارع يا سادة يا كرام، متسولون منتشرون كالجراد منهم من احترف وآخرون لا زالوا في صفوف الهواة . في الشارع أيضا تسمع ما لم يخطر على قلب بشر من البذائة والألفاظ النابية والسوقية.

في الحقيقة إن هذا الوضع لا يُنذِرُ بخير بل كأني أسمع طبول حرب تُقرع، حرب حضارية لا تبقي ولا تذر. حرب قِيمِيَةً تأكل الأخضر واليابس. بل قل إنَّها بَسُوسُ القرن الواحد والعشرين يفرّ منها كل يوم عدد لا يستهان به من الأطر والكَوادِر نحو دول غربية يبحثون عن الفردوس المفقود.

ونعود إلى سؤال البدء، كيف نقيس تحضر الأمم؟ اعتقد أن الإجابة بدأت تتضح الأن. نقيس تحضر الشعوب بناسها. إنه الإنسان، هو المبتدأ والمنتهى، هو أساس التقدم أو التخلف.

إذ لا يعني أننا نحمل في جيوبنا هواتف ذكية أو نركب الفيراري أننا متحضرون أو حداثيون بل بأخلاقنا وبفكرنا وبإعْمال العقل وجعله السلاح الذي نُبَارِزُ به عوض السواطير المنتشرة اليوم، نصبح متحضرين باحترامنا للقانون بالتمسك بالهوية الأصيلة التي ورثنها أباً عن جَد.

وأخيرا رحم الله شوقي حين قال في أشعاره الخالدة:

إنما الأمم الاخلاق ما بقيت — فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *