ما حكم السجع والتكلف في الدعاء؟

من المتعين على المسلمين جميعا التزام سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتقيد بها وعدم الخروج عليها، وليس شيء هو أحب وأرضى لله تعالى من اتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم والاقتداء به، فخير الهدي هديه، وأهدى السبيل سبيل سنته.
وقد كان صلى الله عليه وسلم يستغفر الله ويتوب إليه في اليوم مائة مرة؛ فروى مسلم (2702) عَنِ الْأَغَرِّ الْمُزَنِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ، فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ).
وفي رواية: (استغفروا ربكم، إني أستغفر الله وأتوب إليه كل يوم مائة مرة). صححه الألباني في صحيح الجامع (946).
وروى أبو داود (1516) عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: “إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِائَةَ مَرَّةٍ: (رَبِّ اغْفِرْ لِي، وَتُبْ عَلَيَّ، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وفي صحيح مسلم (483) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: “أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ دِقَّهُ وَجِلَّهُ وَأَوَّلَهُ وَآخِرَهُ وَعَلَانِيَتَهُ وَسِرَّهُ)”.
وفي صحيح البخاري (6035)، ومسلم (2719) عن أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عَنْه، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي جِدِّي وَهَزْلِي وَخَطَئِي وَعَمْدِي وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
فانظر كيف كان استغفاره صلى الله عليه وسلم: جامعا، كجوامع كلمه، بعيدا عن التكلف، وتقصد السجع، بل هو كل يأخذ بعضه ببعض، وينتظم كحبات العقد!!
وقد روى البخاري (6337) عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أنه قَالَ له: “انْظُرِ السَّجْعَ مِنَ الدُّعَاءِ فَاجْتَنِبْهُ؛ فَإِنِّي عَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ لا يَفْعَلُونَ إلا ذَلِكَ” – يَعْنِي لاَ يَفْعَلُونَ إلا ذَلِكَ الاجتناب”.
قال القرطبي رحمه الله -وهو يتكلم عن أنواع الاعتداء في الدعاء-: “وَمِنْهَا أَنْ يَدْعُوَ بِمَا لَيْسَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَيَتَخَيَّرُ أَلْفَاظًا مُفَقَّرَةً، وَكَلِمَاتٍ مُسَجَّعَةً، قَدْ وَجَدَهَا فِي كَرَارِيسَ لا أَصْلَ لَهَا، ولا مُعَوِّلَ عَلَيْهَا، فَيَجْعَلُهَا شِعَارَهُ، وَيَتْرُكُ مَا دَعَا بِهِ رَسُولُهُ عَلَيْهِ السلام؛ وَكُلُّ هَذَا يَمْنَعُ مِنِ اسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ” تفسير القرطبي (7/ 226).
فلا شك أن اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء وغيره أعظم بركة لصاحبه، وأجمع لأبواب الخير له، وأبعد من التكلف، والاختراع، وأدعى للقبول من رب العالمين، متى قام صاحبه بحق ذلك المقام، واستغفر لربه حقيقة، ولم يكن مجرد كلام جرى به اللسان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *