أدعو كل منصف أن يتأمل قول هؤلاء الحداثيين الذين يعظمونهم، ويعتبرونهم أنبياء حداثة أتوا بخوارق لا مثيل لها، كما قال أحدهم عن المدعو عبد الله العروي: “يقول أشياء نكاد لا نجد لها نظيرا بين ركام الأقوال في زمن الخواء المعرفي”.
فماذا قال العروي هذا، وبأي شيء جديد أتى؟ هل أتى بالمعجزات؟
يقول العروي: “لنستأنس بالحجاب مثلا، في البداية كنت أجدني مستفزا، لم أكن أستطيع أن أرى حجابا- ذلك الذي أتانا من الخارج والذي لم يكن لنا عهد به في المغرب- على وجه فتاة في الجامعة أو امرأة تقود سيارة فارهة بممر الأميرات، دون أن ينتابني شعور عنيف.كنت أقول لنفسي: هذا، إذن، هو مآل نصف قرن من النضال النسوي. كنت أعتقد أن الدولة يجب عليها، على الأقل، أن تتبنى المقاربة التي تبنتها السلطات التونسية، أي منع الحجاب حيث يشكل خطرا على الأمن العمومي -حالة المرأة التي تقود السيارة- أو يسيء إلى الانسجام الاجتماعي من حيث أنه يضيف عنصر اختلاف آخر إلى مجتمع مقسم أصلا. بعد ذلك، لاحظت أنه بدأ يفقد، شيئا فشيئا،من قيمته الاحتجاجية، ومن كونه علامة دالة على معارضة السياسة الداخلية أو الخارجية للحكومة. أولئك الذين يتبنون الحجاب، يتمنون، ربما، حدوث المواجهة؛ بيد أن سياسة “دع الأمور تسير”، وسياسة “التجاهل المقصود”، كانتا، ربما، أفضل طريقة للرد على ذلك، على الأقل حتى الآن”.
هذه هي الحداثة كما يريدونها، إنها انتهاك وتدنيس للمقدسات، إنها تتميز بالشمولية،التي تجعلها تتغلغل في جميع مناحي الإنسان والحياة،بكلمة واحدة: إنها دين جديد.
صدعوا رؤوسنا، وصموا آذاننا، بحديثهم المتكرر عن حرية التعبير، وحق الاختلاف، فأتى أحد صناديدهم وفضحهم شر فضيحة، حيث لم يخف، إحساسه بالاستفزاز من قطعة قماش غطت به المؤمنة جسدها،حفاظا عليه من أن تلتهمه نظرات الذئاب الجائعة.
أين التسامح ونبذ ثقافة الكراهية، التي ما فتئ الحداثيون يتبجحون بها في كل محفل ونادي، عندما أقر صنديدهم أنه ينتابه شعور بالعنف عند رؤية منتقبة في الجامعة أو في الشارع.
افترض معي، أيها القارئ الكريم لو أن عالما قال مثل هذا الكلام،ماذا سيكون مصيره؟ تهمة بالإرهاب، ومحاكمة مستعجلة، وزج به في غياهب السجون.
يدعي العروي أن الحجاب أتانا من الخارج، ناسيا أو متناسيا أن الحداثيين يزعمون أنهم منفتحون على الفكر العالمي، أبوابهم مشرعة على كل فكر، لكنهم لا يفصحون أنهم يستثنون الفكر الإسلامي، لأنه -في زعمهم- ليس عالميا مادام خارج التاريخ وخارج الجغرافيا.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، أحيل العروي على “الجديد في الاجتماعيات” وهو كتاب مقرر في الخامسة ابتدائي،ليرى بالتوثيق المصور أن ما قاله مغالطة تاريخية،كما أدعوه للتجول في أرياف المغرب ليتأكد من أن ما قاله مغالطة واقعية.
هل يناضل الحداثيون من أجل التنمية، ومحاربة الفقر والأمية؟ كلا، إنهم يناضلون، ذكورا وإناثا، من أجل محو الإسلام من الوجود، والدليل هو أن صنديدهم يتأسف على أن نصف قرن من المؤامرات -التي اعتبرها نضالا- مر، دون تحقيق حلمهم في القضاء على شرع الله الممثل في الحجاب. من أجل هذا يناضلون، إرضاء لأسيادهم الغربيين.
يتحدث العروي عن الحجاب، وكأنه أتى مع الصحون الطائرة من كوكب المريخ، وما يدري المسكين أن ما يلبسه هو الدخيل على المجتمع المغربي، وإن شك في ذلك فليسأل طارق بن زياد والمختار السوسي وعبد الكريم الخطابي بل وحتى كسيلة البربري، فليسألهم ماذا كانوا يلبسون؟ هناك سيعيد النظر في أطروحته التي تعتبر الحجاب دخيلا وغيره هو الأصيل.
انظر إلى هذا الذي يعدونه مفكرا، ومثقفا من النخبة كيف استساغ لنفسه أن يدعو الدولة لاقتفاء أثر نظام فاحت رائحة طغيانه في أرجاء المعمور.
ماذا وقع لحداثيي اليوم، شيوعيي الأمس؟ هل فقدوا صوابهم؟ أم أن سيدتهم أمريكا علمتهم الصفاقة والوقاحة، والدفاع عنهما.
غريب أمر هؤلاء الحداثيين! يدعون لمنع استيراد الحجاب من الخارج، وفي نفس الوقت يوجبون استيراد القمع منه!
إذا كانت أفكار الحداثيين المنحرفة غريبة عجيبة، غرابة الجنون، فتسويغها أعجب منها.
إن المنبهرين بالحداثيين يعتبرون هذا الهذيان تحليلا وإبداعا وتفلسفا.
فانظر أيها القارئ الكريم إلى المخرج العجيب الغريب الذي أراد به العروي أن يسوغ ضربه لحرية الاختلاف التي يؤمن بها،عندما استدعى الدولة لمنع الحجاب بدعوى أنه:”يشكل خطرا على الأمن العمومي، و”يسيء إلى الانسجام الاجتماعي من حيث أنه يضيف عنصر اختلاف آخر”. والله لا أدري ماذا وقع لهؤلاء الحداثيين؟ هل يتفوهون بكل هذه الشطحات، وهم في وعي تام، وتوازن ذهني كامل؟
يشعر الحداثيون بالاستفزاز تجاه الحجاب، وينتابهم شعور عنيف عند رؤية المحجبات، ويدعون الدولة لاستعمال العنف ضدهن، ثم يدعون -افتراء- أن مؤيدي الحجاب “يتمنون حدوث المواجهة”. قل لي بربك -أيها القارئ الكريم- أي منطق هذا، بل هل هناك منطق أصلا، أم أنه من باب رمتني بدائها وانسلت!
إن الحداثة ليست مجرد أشكال وأساليب جديدة في الكتابة،كما يروج البعض،بل إنها تحوي مضامين فكرية واعتقادية مناقضة لديننا الحنيف.
لذا أقول للعروي وأمثاله على لسان الشاعر:
– لا يزال اسمك “طه”..
لا..لقد أصبحت”جوني”!
– لم تزل عيناك سوداوين..
لا.. بالعدسات الزرق أبدلت عيوني.
– ربما سحنتك السمراء
كلا.. صبغوني.
– لنقل لحيتك الكثة..
كلا..
حلقوا لي الرأس..
واللحية والشارب،
لا.. بل نتفوا لي حاجب العين
وأهداب الجفون!
– عربي أنت.
No. Dont be silly.thay
ترجموني!
أقول لكل حداثي:”لا تكن مترجما، فحتى النصوص إذا ترجمت تتهم بالخيانة”.
تعني : لا تكن أبله.No. Dont be silly.thay
رمتني بدائها وانسلت، من الأبله؟ الأصيل أم الهجين؟!