الاستهزاء بآيات الله الكونية صورة من صور الإلحاد فيها ناصر عبد الغفور

 

الإلحاد في آيات الله الكونية يكون بنسبة ما يختص به الله تعالى إلى ما سواه، كنسبة المطر إلى بعض النجوم وأنه لولها لما نزل غيث، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

“هل تدرون ماذا قال ربكم الليلة؟ قال الله: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي ومؤمن بالكواكب”. -متفق عليه-.

وهذا ما يدخل في التنجيم المذموم، وهو: “الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية فيسمى تنجيماً يعني النظر في النجوم واجتماعها وافتراقها وطلوعها وغروبها وتقاربها وتباعدها وهو من دعوى علم الغيب الباطلة التي أبطلها الله جل وعلا بقوله (قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله)، فالتنجيم من دعوى علم الغيب وهذا هو مقصود المؤلف من هذا الباب لبيان التحذير منه([1])، أما النظر في منازل القمر لتعلم الأوقات والقبلة والطرقات فهذا لا بأس به كما قال أحمد وإسحاق وإن كرهه قتادة وابن عيينة لكن الصواب جواز تعلم المنازل لمعرفة جهة القبلة في الأسفار والبلدان ولمعرفة أوقات الصلوات وأوقات الزراعة والفلاحة فهذا لا بأس به([2])([3]).

وربط المطر بالنجوم لا ريب أنه من الإلحاد في هذه الآية العظيمة من آيات الله ألا وهي النجوم، فالله تعالى لم يخلقها لهذا الغرض، كما قال قتادة رحمه الله تعالى: “قال قتادة: خَلقَ الله هذه النجوم لثلاث: جعلها زينة للسماء، ورجوما للشياطين، وعلامات يُهتدَى بها، فمن تأول فيها غير ذلكَ أخطأ وأضاعَ نصيبهُ وتكلف ما لا علم لهُ به” -رواه البخاري-.

وقد ورد الذم البليغ لمن تعلق بالنجوم في إنزال المطر واستسقى بها، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أَرْبَعٌ فِي أُمّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيّةِ لا يَتْرُكُونَهُنّ: الْفَخْرُ فِي الأَحْسَابِ، وَالطّعْنُ فِي الأَنْسَابِ، وَالاسْتِسْقَاءُ بِالنّجُومِ، وَالنّيَاحَةُ”-رواه مسلم-.

والاستسقاء طلب السقيا وتكون بأمور مشروعة من صلاة وتضرع وصدق لجوء إلى الله تعالى وغير ذلك، وأما الاستسقاء بالنجوم فهو من فعل الجاهلية.

كما يقع الإلحاد في آيات الله الكونية بسبها وشتمها، وهذا حال بعض الناس الذين تسمع الواحد منهم يسب الوقت والزمان، ولا يعلم المسكين أن الزمن لا حول له ولا قوة، وإنما هو مسير، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “قال الله عز وجل: يؤذيني ابن آدم يقول: يا خيبة الدهر (وفي رواية: يسب الدهر) فلا يقولن أحدكم: يا خيبة الدهر، فإني أنا الدهر: أقلب ليله ونهاره فإذا شئت قبضتهما” -متفق عليه-.

وفي رواية: “لا تسبوا الدهر ، فإن الله عز وجل قال: أنا الدهر: الأيام والليالي لي أجددها وأبليها وآتي بملوك بعد ملوك”([4]).

قال المنذري رحمه الله تعالى: ” ومعنى الحديث أن العرب كانت إذا نزلت بأحدهم نازلة وأصابته مصيبة أو مكروه يسب الدهر اعتقادا منهم أن الذي أصابه فعل الدهر كما كانت العرب تستمطر بالأنواء وتقول: مطرنا بنوء كذا اعتقادا أن ذلك فعل الأنواء، فكان هذا كاللاعن للفاعل ولا فاعل لكل شيء إلا الله تعالى خالق كل شيء وفاعله فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك”([5]).

ومن ذلك سب الريح، وقد ورد النهي عن ذلك صريحا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تسبوا الريح . فإنها من روح الله تأتي بالرحمة والعذاب. ولكن سلوا الله من خيرها وتعوذوا بالله من شرها)([6]).

وعن أبي كعب قال: قال رسول الله صلى الله عله وسلم:”لا تسبوا الريح فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت به ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما أمرت به”([7]).

قال الإمام الترمذي رحمه الله تعالى: وفي الباب عن عائشة وأبي هريرة وعثمان بن ـبي العاصي وأنس وابن عباس وجابر-رضي الله عنهم-.

————————————————————

([1]) وهذا علم التأثير وهو محرم.

([2]) وهو علم التسيير والصحيح جوازه.

([3]) التعليقات البازية على كتاب التوحيد.

([4])أخرجه الإمام أحمد وصححه الألباني.

([5]) السلسة الصحيحة: 2/30.

([6]) صحيح سنن ابن ماجة.

([7]) صحيح سنن الترمذي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *