تطهير الأذهان من افتراءات مدير جريدة الأسبوع الصحفي على الخليفة الراشد عثمان بن عفان -الحلقة الخامسة- أبو عبد الرحمن ذو الفقار

إبطال تعلق مصطفى العلوي بدعوى حداثة سن ولاة عثمان رضي الله عنه

قال مدير جريدة الأسبوع الصحفي: (ولّى أمور المسلمين -يريد عثمان رضي الله عنه- جماعة من الأحداث)(1)، هكذا بهذا الإطلاق، جماعة من الأحداث. مع العلم أن عدد ولاة عثمان رضي الله عنهم كانوا ستة وعشرون واليا، فهل يعقل أن يكونوا كلهم أحداثا؟ وعلى فرض أن مدير الجريدة يريد بعضهم -وهذا هو الصحيح-، فأين يكمن العيب في أن يكون بعض الولاة من شباب المسلمين؟
ألا يعلم مصطفى العلوي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولَّى عتاب بن أسيد على مكة وهو ابن عشرين سنة(2)؟!!
وأنه عليه السلام استعمل في آخر حياته أسامة بن زيد رضي الله عنهما وهو من الأحداث على الجيش لغزو الروم(3)؟!!
وأن أبا بكر رضي الله عنه أثبته في خلافته بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند إنفاذ الجيش. بعدما كلمه عمر رضي الله عنه بإشارة من جماعة من الصحابة في أمر إبداله بقائد أحسن منه، فقال رضي الله عنه لعمر: يا ابن الخطاب استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم وتأمرني أن أنزعه(4)؟!!!
روى الإمام الطبري في كتابه “تاريخ الأمم و الملوك”: (محاورة عثمان رضي الله عند دعوته المتمردين إلى عرض شبههم و إظهار مؤاخذاتهم عليه، على مرأى و مسمع ممن حضروا المسجد من مسلمين، بقوله رضي الله عنه: وقالوا إني استعملت الأحداث، ووليت الشباب صغار السن! ولم أُوَلِّ إلا رجلا فاضلا محتملا مرضيا، وهؤلاء الناس أهل عملهم، فسلوهم عنهم، ولقد ولَّى الذين من قبلي من هم أحدث منهم، وأصغر منهم سنا، ولقد ولَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد، وهو أصغر ممن وليته، وقالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أشد مما قالوا لي؛ أليس كذلك؟ فقال الصحابة ممن حضروا المسجد: اللهم نعم! إن هؤلاء يعيبون للناس مالا يفسرونه)(5).
فإذا كانت تولية الأحداث فعل لم يعبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر رضي الله عنه، فالأولى أن لا يعاب على من اتخذهما أسوة في توليته لمن ولاه من أحداث المسلمين. وإلا لزم مدير الجريدة التناقض والتفريق بين المتماثلات، وهذا هو ما يسمى “الكيل بمكيالين”.

إبطال تعلق مصطفى العلوي بدعوى عدم كفاءة ولاة عثمان رضي الله عنه
استطرد مدير الجريدة حديثه عن عمال عثمان رضي الله عنه بقوله (..لا يصلحون لها ولا يقدرون عليها ولا ينصحون للدين)، وقال أيضا: (أن عماله لم يكونوا أصحاب كفاية وقدرة على النهوض بأمور الحكم).
أما عن دعوى عدم الكفاءة وفقدان ولاة عثمان رضي الله عنهم أهلية النهوض بتكاليف الأمة، وعدم قدرتهم على إدارة أمور الولاية، وقلة خبرتهم بضروريات القيام بواجب مهمة السياسة. فهي دعوى تحتاج إلى حجة وبيان وشاهد عيان. لأن ما عرفه المجتمع الإسلامي في عهد خلافة عثمان من عزة ومنعة وازدهار حضاري، وما عرفه على الخصوص من إنجازات بطولية بما فتح الله على أيدي ولاته من بلدان(6)، يثبت كفاءتهم ويشهد لقدرتهم على إدارة شؤون ولاياتهم بما يكذب دعوى مصطفى العلوي. والذي يرجع إلى الصحيح من سيرة الرجال الذين ولاّهم خليفة المسلمين وأمير المؤمنين عثمان بن عفان، وما كان لولايتهم في عهده رضي الله عنه من جميل الرسم والأثر، لا يسعه إلا الوقوف لهم إجلالا وإكبارا، والتمثل إليهم إعجابا وفخرا واعتزازا لحسن إدارتهم، وعظيم نتائجهم، بفضل علمهم وأعمالهم ومؤهلاتهم، اللهم إلا من جهل فضلهم، وبطر حقهم، وغمط قدرهم، وتجنب الإنصاف، وتأبط الظلم، وتذرع الاعتساف، ولا يقدم على هذا إلا من ليس له أدنى مسكة من عقل، أو فكرة فيما صح من النقل.
إبطال تعلق مصطفى العلوي بدعوى فساد سيرة ولاة عثمان رضي الله عنه
والعجب أن مصطفى العلوي أعرض عن كل ما هو مقرر من صحيح سيرتهم العطرة مستكبرا كأن لم يسمعها، وذلك لما وجد في نقول طه حسين ما يؤيد به هواه ويحقق مراده ويبلغه مناه. راسما باستشهاداته لعثمان بن عفان ووُلاته رضي الله عنهم أجمعين، صورة لا تقل عن صورة جماعة لم تألف نفوسهم نظام الإسلام، ولا تشبعت بمبادئه، ولا خالطت قلوبهم تعاليمه، ولا تربت بقرآنه؛ جماعة استجابت لرغبات ونزعات نفسها، وركضت وراء شهواتها وتحقيق مصالحها. وباختصار صورة جماعة لم تنشئ في مدرسة محمد عليه الصلاة والسلام، ولا هي فهمت الإسلام. أنظر مثلا قوله: (وعلى مسار أشبه ما يكون بمسار العصر الحاضر، سجلت خروق مفضوحة لقواعد احترام حقوق الإنسان. فأطلق الخليفة عثمان لعماله وولاته الأيدي للإسراف في العنف بالرعية ضربا و نفيا وحبسا، حيث ضرب رجلين من أعلام أصحاب النبي عليه السلام، عمار بن ياسر الذي ضرب حتى أصيب بالفتق، وكسر أضلاع صاحب النبي عبد الله بن مسعود الذي أخرج من المسجد حتى كسرت أضلاعه، بل قالت كتب التاريخ على أنه أذن لعماله أن يخرجوا الناس من ديارهم كلما أنسوا منهم بعض ما يكرهون “…” وهناك حالة عبد الله بن سعد الوالي الذي سمع أن مواطنا اشتكاه للخليفة، فضربه حتى الموت).
أخي المسلم قل لي بربك: هل يبقى في ذهنك شيء بعد قراءتك هذه الصورة القاتمة الشوهاء التي وضعها مصطفى العلوي لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، من تلك الصورة الوضيئة التي رسمها القرآن لهم بما أثنى به الله عليهم في كتابه من أخوة وسماحة ولين وعطف ونبل وصفاء بقوله سبحانه: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم}(7)؟!
فأي رحمة هذه؟
وأين يتجلى مصداق مدلول هذه الآية في واقع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع هذا الذي وصفهم به مصطفى العلوي من إسراف في العنف بالرعية ضربا ونفيا وحبسا؟!!
قال القاضي أبو بكر بن العربي ( 468هـ- 543هـ ) في كتابه “العواصم من القواصم”: هذا كله باطل سندا ومتنا ، أما قولهم: جاء عثمان بمظالم ومناكير. فباطل. وأما ضربه لابن مسعود ومنعه عطاءه فزور، وضربه لعمار إفك مثله، ولو فتق أمعاءه ما عاش أبدا.”(8)
وقال صاحب كتاب “كتب حذر منها العلماء” عند انتقاده كتب طه حسين: (والرواية على هذه الصورة لا صحة لها، وإن خلاف عثمان مع ابن مسعود رضي الله عنهما على المصحف كان بدون ضرب، والحق في ذلك مع عثمان رضي الله عنه، وخلاف عمار مع عثمان رضي الله عنهما لم يتجاوز العتاب، كما يقول ابن عساكر في تاريخه)(9).
وبهذا يتبين لك أخي القارئ أن مصطفى العلوي يهرف بما لا يعرف، وأن اعتماده على هذه الروايات الساقطة والأخبار الواهية للطعن في أحد خيار المسلمين، وتشويه تاريخه، هو اعتماد من يصدق فيه قول الشاعر:
جهلت أمرا فأبديت النكير له والجاهلون لأهل العلم أعداء
وصدق الله العظيم القائل : { بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه }(10).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مقال: البيزنس .. قتل خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم. العدد 557/ 994 الجمعة 14 رمضان 1430 موافق 4 شتنبر 2009.
(2) البداية والنهاية 4/371 لابن كثير
(3) تاريخ الأمم والملوك 2/429 للطبري.
(4) نفس المصدر 2/ 462.
(5) نفس المصدر 3/ 384.
(6) أنظر الحلقة السابقة المحور الثاني
(7) سورة الفتح الآية 29.
(8) العواصم من القواصم ص 280
(9) 2/ 129
(10) سورة يونس الآية 39.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *