اليهودية، كدين توحيدي، دين طهارة لا خباثة، وقد وقفنا على ذلك في تعاليم اليهود، حيث تُطلَب الطهارة في الظاهر والباطن، في المأكل والمسكن والملبس، في السلوك والخلق، في مكان العيش ومكان العبادة، في علاقة الفرد بأبناء جنسه ذكورا وإناثا… إلخ. وجدنا تحريم الخنزير والخمور، وجوب الطهارة في المسكن والملبس، تقديس أمكنة العبادة والمقابر، تحريم الزنا والشذوذ الجنسي، الحث على الفضيلة في الخلق والسلوك… الخ.
لا يمكن أن تكون اليهودية إلا كذلك، مهما تعلقت بها بعض شوائب التاريخ، وإلا لما كانت دينا توحيديا يدعو لتجاوز خباثة الإنسان ومفارقة “ما قبل تاريخيته”. فمن أين استمدت قذارتها وخباثتها إذن؟ وبتعبير آخر: كيف تمّ تحريفها في السياق المعاصر، لينضاف هذا التحريف إلى تحريفات أخرى قديمة ومتراكمة؟
لقد كانت هناك تحريفات قديمة طرأت على “اليهودية الأصلية”، وعادت بها القهقرى لعنصر أصيل في الإنسان هو: غريزيته وحيوانيته ووحشيته وأنانيته الغابوية. وإلا لما جاء القرآن بكل تلك التفاصيل عن: كتم “اليهود التحريفيين” للمنافع مادية ومعنوية عن غيرهم وفيما بينهم، أمراض قلوبهم من حسد وأنانية وحقد وكراهية وعنصرية… إلخ، نشرهم للفتن والحروب ليتكسبوا منها، انغماسهم في ملذات الدنيا وزينتها حتى نسوا بها عقيدة “اليوم الآخر”… وما إليه. وكله من تحريفهم وعبثهم بوحي الله، ومن تعريضه لتجارتهم التي حرفت مسار التجارة أيضا، فحولتها من “تجارة الناس أجمعين” إلى “تجارة القلة المحتكرين”.
لقد كان التحريف حاصلا، منذ القديم، وإلا لما قال الرسولﷺ: “نظفوا أفنيتكم ولا تشبهوا باليهود يجمعون الأكباد في بيوتهم” (أخرجه الترمذي)، أضف إلى ذلك قولهﷺ: “إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء” (رواه مسلم).
لم يكن للوحي، قرآنا وسنة، ليتحدث عن خباثة “اليهودية الأصيلة” وهي دين توحيد، بل إن كل كلامه كان عن “اليهودية المحرفة” ومحرفيها من “اليهود”.
لقد استمر التحريف، وتراكمت ظلماته بعضُها فوق بعض، إلى أن جاء أبشع تحريف. ذلك هو التحريف الرأسمالي الذي عزل “اليهود” في “غيتوهات”، رغبة منه في إعادة تدويرهم لصالحه، وتصريف خباثة وقذارة “الرأسمالية” عن طريقهم. لقد كانوا موضوعَ إجرام هذا التحريف الرأسمالي، فأجرم حاخاماتهم وأسياد “غيتوهاتم” نيابة عنهم، وبقيادة “أبرياء اليهود” لجريمتين، لخباثتين كبريين:
– تزييف وعي المحرومين من أبناء الغرب: وذلك هو بث الخباثة في أذهان المحرومين، وتلويث وعيهم بـ”تناقض زائف”. فلا يهتم أحد بالتناقض بين “الرأسمال والعمل”، بل بالتناقض بين “الغرب الحديث” و”اليهود المتخلفين”. وما هؤلاء الأبرياء إلا نتاج حداثة كان التفاوت الرأسمالي أساسَها الأول.
– ممارسة جرائم الأموال والأعراض والأرواح عن طريقهم: فتحول الأبرياء وذوو الفاقة إلى وسيلة في يد “الرأسمال الغربي”، يمارس عن طريقهم ما لا تتحمله “المظاهر الرأسمالية البراقة”.
لم يكن “الغيتو” جنة يهودية كما قد يتصور البعض، بل كان محَلّا للقذارات، ولعل انتشار الأمراض والأوبئة كان أبرز المظاهر التي لم تكن لتخفى على أحد، ولم تكن لتخفي ما يعيشه “اليهود الأبرياء” من ظلم.
لم يأت الإسلام ليواجه “اليهود الأبرياء”، مَن وقع التحريف عليهم رغما عن أنفهم، وإنما جاء مخلّصا لهؤلاء، مهددا لمصالح فئتين من ظالمي اليهود:
– كبار القوم من الحاخامات التحريفيين.
– كبار الغرب والعالم من محتكري “وسائل الإنتاج”.
الإسلام أفضل من استوعب اليهود في أرضه وتشريعه، وهو “منقذهم، اليوم، من ضلال” أنتجه الاستغلال الرأسمالي.
… يتبع.