منذ اعتلاء نيكولا ساركوزي كرسي الرئاسة في فرنسا ودخوله قصر الإليزيه وهو يحدث جدلا في الأوساط الفرنسية بخرجاته اللامسؤولة ومشاريعه اللاتنموية، حتى أضحى من أسوأ الرؤساء في تاريخ فرنسا وصارت شعبيته في الحضيض، فاستنجد بالإعلام الرسمي لتحسين صورته؛ لكن هذا التصرف بدوره ولد سخطا عند شريحة كبيرة من المجتمع الفرنسي، ويفسر ذلك تصريح أحد الناخبين الفرنسيين الذي قال بعد أن صوت لصالح هولاند وهو منشرح الصدر: أنا فرح لأنني سأفتح التلفاز خمس سنوات ولن أجد ساركوزي أمامي.
وقد عرفت فترة ساركوزي الرئاسية بالتضييق على المسلمين في فرنسا، وإصدار القوانين المضطهدة لهم، والانخراط في مشاريع عالمية تعلن العداء للأمة الإسلامية..، فماذا خلف ساركوزي للمسلمين بعد فترته الرئاسية؟
انخراط فرنسا في المشروع الأمريكي لخدمة مشروع الحرب ضد الإرهاب!!
كانت فرنسا زمن الرئيس جاك شيراك تنأى بنفسها عن الانخراط في المشروع الغربي الساعي إلى إعادة تقسيم الشرق الأوسط إلى شرق أوسط كبير، والتي ابتدأت أطوارها بإعلان الحرب على دولة أفغانستان (طالبان)، ثم اجتياح دولة العراق، وقد تزعم هذا المشروع آنذاك الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وسمي بالحرب ضد الإرهاب..
ورغم ثبوت بطلان شبهة امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، وتبين فيما بعد أن الغرض وراء شن تلك الحرب هو حمل الديمقراطية -وفق المفهوم الامبريالي الغربي- إلى تلك البلاد على ظهر الدبابات وإنزالها بطائرات إف16 والشبح، رغم كل ذلك فإن القيصر الفرنسي المنتهية ولايته لم يستنكف من الانخراط في هذا المشروع القذر الذي لم تكن ضحاياه غير الدول العربية والمسلمة..
إنشاء الاتحاد المتوسطي
لقد بنى ساركوزي مجده منذ بدايته على فكرة إنشاء الاتحاد المتوسطي، وتوج رئاسته منذ البدء بهذا المشروع الذي يضم الدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط، ومن بينها الكيان الصهيوني، وهو ما اعتبر اعترافا ضمنيا بامتياز بدولة الكيان الصهيوني، وفتح الباب له لتطبيع علاقاته مع الدول الإسلامية المنتمية لهذا الاتحاد.
وقد جرّ على المغرب انضمامه إلى هذا الاتحاد ارتفاع حجم تطبيعه مع الكيان الصهيوني الغاشم، سواء في المجال الاقتصادي أو الثقافي أو العسكري أو السياسي؛ وقد كانت آخر صور التطبيع تلك حضور الوفد الصهيوني للبرلمان بمناسبة اجتماع البرلمان الأورومتوسطي الذي استضافه المغرب شهر مارس الماضي، وهي الزيارة التي خلفت استياء عارما واحتجاجا واسعا من لدن قطاع عريض من المؤسسات والجمعيات والفعاليات.
قانون منع النقاب في فرنسا
عمل نيكولا ساركوزي بكل قوة على استصدار قانون منع النقاب في الفضاءات العامة في فرنسا، وذلك ضدا في العلمانية التي يؤمنون بها والتي تسمح بممارسة الحريات الفردية ومن بينها الحق في اختيار اللباس..، وهو ما اعتبره المسلمون ردّة فرنسية على العلمانية والديمقراطية.
ولحد الساعة لا زالت المنقبات في فرنسا يتعرضن لعقوبات زجرية وهن يخرجن إلى الشارع العام؛ ولازلن يطالبن بحقهن في التمتع باختيار لباسهن وبإلغاء هذا القانون الجائر والظالم (قضية هند أحماس نموذجا).
إن سنّ هذا القانون في حق المنقبات في فرنسا هو أحد أوجه الحرب ضد المسلمين، والتي يخوضها الأخطبوط الصهيوصليبي في العالم، الذي له امتداد قوي في مراكز القرار في فرنسا، وهو يعادي انتشار الإسلام الذي من تجليات تشريعاته ظهور ممارسات شرعية في جميع الأزمنة والأمكنة، فالنقاب تجل واضح للإسلام في الفضاء العام الفرنسي، وهو ما دفع الغيورين على علمانيتهم وصليبيتهم لسن هذا القانون ومن قبله قانون منع الحجاب في الجامعات الفرنسية..
التضييق على المسلمين بسبب الهجرة والتطرف
أعلن ساركوزي عداءه للمسلمين في الكثير من محطات مسيرته الرئاسية، فبعد قانون النقاب خاض مع وزير هجرته مجموعة من الإجراءات والقوانين التي استهدفت المسلمين بشكل واضح، كما أنه أعلن منذ بداية رئاسته حرصه على سلامة وأمن دولة الكيان الصهيوني، وأنه بمثابة الحارس لأمنها ومستقبلها..
كما أقرت الجمعية الوطنية الفرنسية “مجلس النواب” أواخر دجنبر السنة الماضية مشروع قانون قدمه حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية يجرم إنكار الإبادة الجماعية للأرمن على أيدي العثمانيين في الحرب العالمية الأولى، وهو ما وتر العلاقات بين فرنسا وتركيا.
ثم بعد حادثة تولوز خاضت السلطات الأمنية الفرنسية عددا من الإجراءات التضييقية ضد المسلمين، كما استغلها ساركوزي في حملته الانتخابية لإظهار عدائه للمسلمين حتى يكسب عددا من الأصوات اليمينية التي تكره الهجرة والمهاجرين وبخاصة المسلمين.
ساركوزي يعنت اقتصاد المغرب لخدمة اقتصاد فرنسا
كي يخدم مصالح بلاده الاقتصادية، وحتى يضمن ولاء رجال الأعمال الفرنسيين له، أقدم ساركوزي على عقد اتفاقيات تجارية مع عدد من الدول العربية، وعلى رأسها المغرب.
فقد دفع المغرب إلى التعاقد مع شركة “ألستوم” الفرنسية لتتكلف بإنشاء خط القطار فائق السرعة “تي جي في” وتزويده بقاطراته..، وهو ما يكلف أمولا طائلة، تعجز ميزانية وقدرات المغرب على التكفل بها، ولولا وجود عدد من الهبات الشرقية لكان هذا المشروع قد ألغي، لكن رغم ذلك فهو مشروع يخدم المصالح الاقتصادية الفرنسية لا المصالح الوطنية؛ حيث يعاني الشعب أزمات اقتصادية كبيرة تغنيه عن التفكير في مثل هذه المشاريع الكبرى.
لقد اعتبرت فترة رئاسة ساركوزي من أسوأ الفترات في العلاقات بين فرنسا والمسلمين، بل اعتبر عند الرأي العام العالمي من أسوأ رؤساء الألفية الثالثة؛ بسبب تهوره ونزقه الفكري والسياسي، وها هو قد رمي في مزبلة التاريخ بعد خسارته الانتخابات الرئاسية أمام فرانسوا هولاند، فهل سيكون هولاند أفضل في سياساته اتجاه الإسلام والمسلمين؟!
هذا ما سنعلم جوابه في الأيام المقبلة!!