صمت رهيب وتخاذل مخز، ذلك الذي نعيشه اليوم أمام التيار المدخلي الذي يتهددنا بمخاطر وويلات. فقد بات هذا الفكر المتطرف يهدد الصحوة الإسلامية برمتها، بتسلله بين مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، والمواقع الإلكترونية، وبعض القنوات والإذاعات الصوتية.
فبعد أن كنّا نسمع بأصحاب هذا الفكر على أشرطة مهترئة قديمة أصبحنا اليوم نراهم بأعيننا وربما نفاجأ أنهم من قرابتنا ومن أناس لازالوا غرقى في ظلمات الأمية، لوث المنتمون لهذا التيار أفكارهم وأشغلوهم بما لا ينفعهم، بل بما يغرقهم في الآثام، من سب وشتم وتنقيص لأهل العلم والفضل والخير من هذه الأمة، ليهدموا بذلك للنشء القدوة الحسنة ويربطوهم بعد ذلك برؤوسهم وشيوخهم.
فبين الفينة والأخرى نرى من يعلي عقيرته بافتخار على مواقع التواصل الاجتماعي “أن من يعادي ربيعا أو رسلانا فقد آذنته بالحرب ولا مرحبا به ضيفا على صفحتي الفيسبوكية”، فإذا انبرى بعض أهل الخير بتوضيح يراعي فيه الحدود الشرعية لبيان غلواء هذا التيار فوجئ بهجوم شرس من كل حدب وصوب، وإن كان الداخل على مواقعهم غير ذلك لبّسوا عليه بتظاهر بحب السنة والغيرة عليها، وبما يلقون من شبه وأباطيل.
إن ما أصاب بعضنا من جبن أو استثقال -لا أقول في الرد على هذا الفكر الخطير فحسب- بل في نشر كلام أهل العلم الذين أجلوا الغشاوة عن ضلالات الفكر المدخلي، وفندوا شبهه، هو الخذلان وايم الله، وكيف لا يكون خذلانا وقد رأينا بأعيننا ما جرى في مصر وليبيا وغيرهما من سفك للدماء وازهاق للأرواح فجعت الأمة الإسلامية برمتها.
وها نحن اليوم نرى كيف سرت الخلايا السرطانية لهذا الورم الخبيث إلى ليبيا ليهز المسلمين خبرُ مقتل الدكتور نادر السنوسي العمراني الأمين العام لهيئة علماء ليبيا وعضو دار الإفتاء الليبية والذي اختطف في السادس من أكتوبر الماضي، على يد مسلحين وهو قاصد بيت الله ليؤدي صلاة الصبح، ليقتل بعد ذلك بطريقة مؤلمة على يد سفاحين مداخلة أفرغوا فيه رشاشين كاملين.
سبحان الله يقتلون رجلا يقول ربي الله، أسبغ وضوأه وقصد بيت الله ليؤدي الصلاة، والله تعالى يقول: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) آل عمران.
قال بن رجب الحنبلي: (أشد الناس عذابا من قتل نبيا، ومن قتل عالما فقد قتل خليفة نبي ولهذا قرن الله بينهما) اهـ.
قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله: ”ﻣﻦ ﺃﻋﻈﻢ ﺧﺒﺚ اﻟﻘﻠﻮﺏ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﻗﻠﺐ اﻟﻌﺒﺪ ﻏﻞٌّ ﻟﺨﻴﺎﺭ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴن” منهاج السنة1/22.
نتائج وخيمة وثمن يدفع غاليا جراء الاستهانة بحاملي هذا الفكر المنحرف المدعوم من الغرب، فهم والدواعش وجهان لعملة واحدة، فالدواعش يكفرون ويستحلون الدماء، وهؤلاء يبدعون ويضللون ويستحلون الدماء أيضا.
فوجب التحذير من حاملي هذا الفكر وخطرهم فلازالوا إلى اليوم يلوثون نقاء المجتمع ويضللون شباب هذه الأمة ليدخلوهم في دوامة فكرهم المنحرف فيصيروا أبواقا لترهاتهم التي لم يسبق إليها في تاريخ المسلمين من قبل.
وفي الختام هذا العمود أشير وأؤكد أن المداخلة فرقة تحولت لأخطبوط تنامت أطرافه في جميع دول العالم، فحق على كل غيور بل على المسلمين كافة أن تتظافر جهودهم لصد هذا العدوان الشرس على حملة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفضح خطر هذا الفكر عبر كل الوسائل الممكنة وخاصة الإعلام.