أحــــــاديــث أ.ربيع السملالي

 

ليس أضنى لفؤادي.. من عجوز تتصابى (16/1/2018)

* كنتُ اليومَ عند طبيب أسنان أنتظر دوري في قاعة هادئة، غارقًا في كتاب يوميات للبرتغالي فرناندو بّيسو فأرسل هاتفُ امرأة بجانبي -ملامحها تشي بأنّها تجاوزت الخمسين بكثير-، نغمة شعبية ذكّرتني بسكارى عين أسردون والواد الأخضر وزيتون بوعشوش ومليكة لقراقب!.. انطلقت أسارير وجهها بفرح طفولي وتركت النّغمة تنساب بحرية غيرَ مبالية بضجيج (الكمانجا) الذي أحدثته للمنتظرين المتَذمّرين بسبب تأخّر الطبيب…

ولسبب من أسباب القضاء والقدر وجدت في كتاب اليوميات ص 30 هذا القول متزامنًا مع ضياع هذه المرأة:

مع كل خطوة يُخونني التعبير، مع كل خطوة تضعف الإرادة. مع كلّ خطوة أشعر بالزمن يتقدّم عليّ. مع كلّ خطوة أكتشفني بيدين خامدتين ونظرة حزينة حاملا معي إلى الأرض الباردة روحًا لم تعرف الغناء، وقلبًا قد تعفّن، قلبًا قد تجمّد ومات نهائيًا وبلا جدوى.. (فتأمّل).

السلفيّة المُقَنّعَة! (23/1/2018)

كثير من أدعياء السلفية وغلاة التكفير وصبيان المداخلة تجد عندهم عبادات ظاهرة، وسَمت يسحر أعين الناس، تعتقدهم من أول نظرة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو التابعين لهم بإحسان، لحية طويلة وثوب أبيض قصير، وعِمامة أنيقة ومسك فواح وسواك من أرض الحجاز وشارب محفوف، لكن (وقبح الله لكن التي تفسد علينا ما نراه من مظاهر خدّاعة) إذا خلوا بشياطينهم أخرجوا سجلات العباد وشرعوا يكفرون ويفسّقون ويبدّعون من لا يوافقهم على دينهم الذي شرعه إبليس على ألسنة أوليائهم من العلماء الربانيين كما يرونهم.

وبعضهم لا يحلو لهم التصنيف إلا بعد صلاة الفجر وتَنَزُّل الرحمات، فتجدهم واقفين كأخشاب مسندة أمام أبواب المساجد يأكلون لحوم الناس، ويشربون دماءهم في غير رفق ولا هوادة، معتقدين أن ذلك من صميم الدين، ومن أخلاق الرعيل الأول ! بدعوى (الجَرْح والتعديل)!

‏قال الشيرازي: سهرتُ ليلةً مع أبي وصلينا الليل وحولنا نيام، فقلت: لم يقم من هؤلاء من يصلّي ركعتين!

فقال: يا بني لو نمتَ لكان خيرًا من وقوعك في الخلق!

ودُعي إبراهيم بن أدهم إلى طعام، فلمَّا جلس، قالوا: إنّ فلانا لم يجئ، فقال رجل منهم: إنّ فلانا رجل ثقيل، فقال إبراهيم: إنّما فعل هذا بي بطني، حيث شهدت طعاما اغتبت فيه مسلمًا، فخرج ولم يأكل. (فتأمل).

خطيبُ الجمعة لحّانة! (2/2/2018)

يجِبُ على خطيبِ الجمعة قبلَ أن يصعدَ إلى منبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دراسة علوم اللّغة العربية وفنون الأدب وأفانين البلاغة، لأنّ القرآنَ عربيّ بأسلوب فصيح مُشرق، لا يليق بمن يحفظه عن ظهر قلب أن يكونَ جاهلاً باللّغة التي كُتبت به، ولن يستطيع التّأثيرَ في جمهور النّاس المشرئبةِ أعناقُهم، النّاظرةِ أعينُهم إليه..

أقولُ هذا بعدما حضرتُ اليوم عند خطيب لاحِنٍ لَحّانٍ لَحّانة لُحَنَة لا يكاد ينطقُ بكلمة صحيحة فصيحة، يختلط عنده الفاعل بالمفعول، ولا يفرّق بين حروف الجَر وحروف الجزم.. يشهد الله أنّ قلبي انقبض من كثرة أخطائه ولحنه وسَقَطه، وتذكرت الخليفة الرّاشد عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، وقلت بيني وبين نفسي لو كان حاضرًا أو حاكمًا للمسلمين لما سمح لهؤلاء أن يهينوا لغة القرآن بهذا الشّكل المُخزي وفوق منبر الأنبياء.. فقد مرّ رضي الله عنه على قوم يسيئون الرّميَ فقرّعهم فقالوا: إنّا قوم متعلّمين، فأعرض مُغضبًا وقال: والله لخطأكم في لسانكم أشدُّ عليّ من خطئكم في رميكم. وقد ذكر ياقوت الحموي في معجم الأدباء أنّ عمر كان يضرب أولادَه على اللّحن ولا يضربهم على الخطأ، ووجد في كتاب عاملٍ له لحنًا فأحضره وضربه دِرَّةً.

وتذكرتُ أبا جعفر المنصور حين تكلّم في مجلس فيه أعرابيٌّ فلحَنَ، فصرّ الأعرابيُّ أذنيه، فلحن مرّة أخرى أعظمَ من الأولى، فقال الأعرابي: أفّ لهذا ما هذا؟ ثمّ تكلّم فلحن الثّالثة، فقال الأعرابيُّ: أشهدُ لقد وليتَ هذا الأمرَ بقضاءٍ وقدر.

وصدقَ وهب بنُ جرير حين قال لفتى من باهلة: يا بُني اطلبِ النّحوَ فإنّكَ لن تعلمَ منه بابًا إلاّ تذرّعتَ من الجمالِ سربالاً.

وقال بعض الشّعراء:

النّحو يبسطُ لسانَ الأَلْكَنِ…والمرءُ نُعْظِمُه إذا لم يلْحَنِ

وإذا طلبتَ من العلوم أجلَّها…فأجلّها عندي مقيمُ الألسنِ

وفي عيون الأخبار: قال ابنُ شُبْرُمة: إذا سرّكَ أن تَعظُمَ في عين من كنتَ في عينه صغيرًا، ويصغر في عينك من كان في عينك عظيمًا فتعلّم العربية.

وفي روضة العُقلاء أنّ الأصمعيّ قال: أخوفُ ما أخاف على طالب العلم إذا لم يعرف النّحو أن يدخل في جملة قول النّبي صلّى الله عليه وسلّم: (من كذب عليّ متعمّدًا فليتبوأ مقعده من النّار) لأنّه لم يكن يلحنُ فمهما رويتَ عنه ولحنتَ فقد كذبتَ عليه.

الموتُ يحسمُ أسباب الخلافِ! (5/2/2018)

* جاءني بوجه مُتهلّل، تنطقُ أساريرهُ بالبِشر كما لو أنّه قد بُشّر بجنّة عرضها السّموات والأرض، فقلت له: خيرٌ إن شاء الله، ما وراء هذه الابتسامة العريضة، والعينين المتألّقتين ببريق الظّفر؟ فقال بلسان فصيح ضاغطًا على مخارج الحروف: لقدْ ماتَ فلانٌ اليومَ.. لعلّكَ تذكره، إنّه الشّخص الذي كان لنا عدوّا ويخالفنا في مسائل الاعتقاد والدّيانة، ويذهب في مدح المبتدعة وأهل الأهواء مذاهبَ شتّى.. فشعرت وكأنّ دلوًا من الماء البارد قد صُبّ عليّ بعد سماع هذه الكلمات من شابّ يدّعي الإسلام والالتزام، يفرح بموت مسلم أفضى إلى ربّه، أفضى إلى ما قدّم.. وغيّبته حُفرة ضيّقة عن مسرح الحياة، مسرح النّفاق والكذب والتّمثيل والاختلاف.. فقلتُ له: رحمه الله وغفر له. فاندهش فاغرًا فاه وكأنّني ارتكبتُ موبقةً لا تُغتفر، وقال بلسان سليط: كيف سمحت لنفسك بالتّرحم على هذا المبتدع الذي لن تبكي عليه السّموات والأرض، ولن تحزن على فقده الجبال والأنهار والأشجار، راجع نفسك فإنّك لستَ على الهدي، ولست على المنهج، ولستَ من الطّائفة المنصورة.. هذا فراق بيني وبينك، فلا تحدّث نفسك بمعاودة الاتّصال بي منذ اليوم. ثمّ ذهب يجرّ أذيال خيبته ومراهقته الفكرية الدّينية، وبقيت أنا في مكاني كجلمود صخر حطّه السّيلُ من علٍ أتفكّر في حال هذه الأمّة المسكينة وشبابها التّالف الذي لا يحسن شيئا في هذه الحياة كما يُحسن الحقد والحسد والتّشفّي والشماتة في الأحياء والأموات، لسان حالهم:

من عاشَ بعد عدوّه يومًا فقد بلغ المُنى

إلاّ من رحم الله..

ويا له من تفكير عقيم، وتحجّر لا يوجد ربّما حتّى في القُرون الوسطى، ورحمَ الله الأستاذَ سعيدًا العريان الذي قال في كتابه حياة الرّافعي ص 190: والموتُ يحسِمُ أسبابَ الخلاف بين كِرام النّاس.

نعم فلا يفرح بموت مسلم إلا لئيم قلبه أشدّ قسوة من الحجارة.

يقول الدّكتور سلمان العودة في كتابه النّافع شكرًا أيّها الأعداء (ص:32.33):

هذا الانتظار الطّويل القاتل لموت فلان وفلان.. قد قتلكَ أنت قبلهم؛ فاستدرِك ما بقي بإنجاز تتوب به من معرَّة استعجال القدر، والغفلة عن حكم الله وحكمته، وقراءة الحياة بصورتها الصحيحة الواسعة المَرِنة، واخرُج من قوقعتك التي أسرت نفسك فيها، إلى بحبوحة الرضا والإيمان، وضع نفسك موضعها، بلا تعاظم ولا ازدراء، وردد: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [الحشر:10].

لا تسمح لقلبك أبدًا أن يفرح بموت مسلم عابد لله، لمجرد خصومة بينك وبينه، فإن أبى قلبك إلا هذا، فتخلَّ عنه؛ فإنه ليس قلبًا، بل هو حجر من الحجارة، بل الحجارة ألين منه وأرق؛ فهي تبكي لموت المؤمن.

وقد رُوي عن أبي هُريرة الصّحابي الجليل أنّ رجلاً اعتادَ أن يأتيَ إلى بابه فيثقل عليه ويؤذيه، فقيلَ له: قد مات فلان. فقال: ليس في الموتِ شماتة.

وهذا سيّد البشرية صلواتُ ربي وسلامه عليه الذي ينتسِبُ إليه هذا الشّاب الفارح بموت عدوّه المسلم استؤذنَ بواسطة جبريل عليه السّلام أن يُطبِقَ على أهل مكّة الأخشبيْن، لكنّه رفض وقال قولته الحكيمة التي تنمّ عن نضج عقلي وحكمة لا توجد عند غيره من البشر: بل أرجو أن يُخرجَ الله من أصلابهم من يعبدُ اللهَ وحدَه لا يشرك به شيئا.

يقول العودة تعليقًا: فلمَ يضيقُ صدرُك وقلبُك بمخالفيك، حتّى تظنّ أنّ الحياة لا تطيب مع وجودهم، وتحصر أملك في أن تسمع خبرَهم وقد ودّعوا ورحلوا.. وتُردّدُ: تخفيف ورحمة.

وهذا العلاّمة ابن قيّم الجوزية يحكي في كتابه (مدارج السّالكين) عن شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية قائلاً: وما رأيته يدعو على أحد منهم قطّ وكان يدعو لهم وجئتُ يومًا مُبَشِّرا له بموت أكبر أعدائه وأشدّهم عداوة وأذى له فنهرني وتنكّر لي واسترجع، ثم قام من فوره إلى بيت أهله فعزّاهم وقال: إنّي لكم مكانه ولا يكون لكم أمر تحتاجون فيه إلى مساعدة إلا وساعدتكم فيه. ونحو هذا من الكلام، فسُرّوا به ودعوا له وعظّموا هذه الحال منه فرحمه الله ورضي عنه.

فأينَ نحن من هذه الأخلاق العظيمة التي لا يتمتّع بها إلاّ من كان يأوي إلى ركن شديد.

فكثير من الشّباب لا يفرّقون في خلافاتهم بين ما هو شخصي وما هو ديني، فهم ينتصر ون لأنفسهم ويعتقدون أنّهم ينتصرون لدين الله، ولو كانوا صادقين في دعواهم، لما فرحوا بموت أعدائهم، وانتظار هلاكهم، والدّعاء عليهم، لأنّ المسلم الصّادق الذي ربط قلبه بالله لا يكون بهذه الأخلاق الوضيعة التي لا تصدر إلاّ عن نفوس شربت من كؤوس الضّياع حتّى الثّمالة.

وهذا الصّنفُ من النّاس قد اشتكى منهم الأستاذ عبد الله الهدلق في كتابه الجميل (ميراث الصّمت والملكوت) في مقالته الأولى التي قال فيها: بئسَ هذا النّاسُ..

ولولا دين وحياء؛ لقلت بقلمي هكذا؛ فكشفتُ عن وجوه تُصَدّرُ في المجالس؛ فلمّا عاملتها خشيتُ منها على نَعْلِي!

أيها المُصلّي (03/03/2018)

* أيها المُصلّي: بارك الله لك في طاعتك وتقبّل منّا ومنك، حين نريد الدّخول إلى المسجد نجد أمامنا سلّةً وُضعت فيها أكياسٌ لحفظ الأحذية، وللحفاظ على نظافة المسجد، فمالي أراك لا تبالي بذلك وتدخل إلى المسجد بحذائك المتسخ ونعلك المُتهالك كما لو كنت أعرابيا حديثَ عهد بإسلام نشأ في بادية بعيدة، إنّه مكان مُقدّس -جُعلتُ فداك-، ينفقُ المحسنون عليه أغلى ما يملكون، ويسهرون من أجله ساعاتٍ طويلةً لتجده كما تُحبّ، فلا تكن أوّل من يفسده، فإنّك لستَ طفلا ولا شبيها بالأطفال، وليتك تتصرّف في بيت ربك الكريم كما تتصرّف في بيتك، الذي تحرص على نظافته وأناقته كما تحرص المرأة على نضارة وجهها، ونعومة جسدها..

يُتبع..

https://www.facebook.com/rabia.essamlali

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *