مراجعة التشريع الخاص بمسؤولية الأطراف المتدخلة في تسيير المال العام
كالآمرين بالصرف ومراقبي الالتزام بنفقات الدولة، كما يتعين أيضا مراجعة الجزاءات المالية التي نظمها المشرع المغربي بشأن المخالفات المالية والمحاسبين العموميين.
أ- خلق التوازن في مجال المساءلة:
إذا كان ظهير3 أبريل 2002م المنظم لمسؤولية الآمرين بالصرف والمراقبين والمحاسبين العموميين يشكل أول نص قانوني ينظم مساءلة هؤلاء الأشخاص فإن القوانين السابقة مثل المرسوم الملكي الصادر بتاريخ 21 أبريل 1967م المنظم للمحاسبة العمومية خاصة في فصله السابع قد انحصر دورها فقط في النص على مسؤولية الآمرين بالصرف دون تحديد قواعدها وأسسها.
فظهير 2002م المشار إليه ركز فيه على ثلاثة عناصر مشاركة في تسيير المال العام، ويتعلق الأمر بالآمرين بالصرف، ومراقبي الالتزام بالنفقات ثم المحاسبين العموميين، وكان الهدف أصلا من هذا القانون حسب رغبة المساهمين في إعداده الدفاع عن فكرتين:
– خلق إطار قانوني تحدد فيه مسؤولية الآمرين بالصرف، والمراقبين والمحاسبين العموميين.
– تحديد حقوق الآمرين بالصرف والمحاسبين العموميين في حالة مساءلتهم، وإعطاء فرصة للتخفيف من هذه المسؤولية متى توافرت ظروف التخفيف،
ولقد عمد هذا القانون إلى تحديد القواعد الخاصة بالمهام التي يمكن أن تكون موضوعا للمسؤولية، بما فيها احترام قواعد تصفية المداخيل العمومية والقيام بالإجراءات اللازمة لتحصيل الديون، واحترام قواعد تسيير الممتلكات الخاصة بالهيئة موضع التسيير.
ولقد حدد المشرع أيضا مسؤوليات كل الأطراف المتدخلة في تسيير المال العام، وهي مسألة وإن كانت جديرة بالتنويه، فإن عنصر المساءلة بقي مركزا في شخص المحاسب العمومي وهو الأمر الذي يتضح من العبارات المستعملة في ظهير3 أبريل 2002م المنظم لمسؤولية هذه الأطراف، حيث استعمل بالنسبة للآمرين بالصرف عبارة “مسؤولين شخصيا”.
كما هو وارد في المادتين 3 و4 من هذا الظهير، في حين استعمل بالنسبة للمحاسبين العموميين عبارة” مسؤولين شخصيا وماليا” وهي مسألة منتقدة لكونها لا تشمل باقي الأطراف ووضعية تؤكد فكرة انعدام التوازن في مجال المساءلة وتتطلب المراجعة بالشكل الذي يجعل المساءلة المالية تشمل كل الأشخاص التي لها علاقة بتسيير المال العام.
ومن الأمور التي ينبغي إعادة النظر فيها مسألة استبعاد أعضاء الحكومة أمام البرلمان في مجال المساءلة وفق ما نصت عليه المادة 4 من ظهير 2002 المنظم لمسؤولية الآمرين بالصـرف والمراقبـين والمحاسبيـن العمومييـن، فهـذا المقتضى يؤكد مسألة عدم التوازن في مجال المساءلة المالية ويؤكد طابع القوة الذي تعرفه العلاقة القائمة بين المحاسبين العموميين وباقي الأطراف المشاركة في تسيير المال العام.
وأكد المشرع المغربي في المادة 15 من الظهير المشار إليه بالنسبة للمحاسبين العموميين العاملين في المجال المحلي ضرورة أخذ رأي المجلس الجماعي قبل اتخاذ قرار بشأن الإعفاء، وهو أمر تضمنه النص القديم ويتعين إعادة النظر فيه، لأنه مناقض لمبدأ استقلال المحاسب العمومي عن الآمر بالصرف، وتناقض مهامهما كما هو منصوص على ذلك في الفصل 3 من المرسوم الملكي الصادر بتاريخ 21 أبريل 1967 المنظم للمحاسبة العمومية.
ب- ضرورة مراجعة الجزاءات في مجال المساءلة:
إذا كان التشريع المغربي قد عرف تغييرات مهمة على مستوى تقرير مسؤولية كل المتدخلين في تسيير المال العام، وتحديد الجزاءات التي يتحملها كل مخالف لقواعد المحاسبة العمومية والتي أظهرت تفاوتا في مجال المساءلة بين كل من المحاسبين العموميين وباقي المتدخلين في تسيير المال العام.
ففي هذا الإطار، ومن أجل خلق التوازن الضروري في العلاقات القائمة بين هذه الأطراف، لابد من مراجعة الجزاءات التي جاء بها التشريع المغربي لتأخذ إما شكل غرامات مالية أو شكل تعويض الضرر الحاصل بأكمله، فبالنسبة للمحاسب العمومي فمساءلته تخص تعويض مبلغ النفقة العمومية التي صرفت بشكل غير قانوني أو المداخيل العمومية التي لم يتم تحصيلها، أما بالنسبة للآمر بالصرف ومراقبي الالتزام بالنفقات، فالغرامات المالية تبقى هي الجزاءات التي تطبق في حالة مخالفة قواعد التسيير المالي العمومي أو المحلي.
فهذا الوضع يؤكد ضرورة خلق إطار تساءل فيه جميع الأطراف المتدخلة في تسيير المال العام، والمساءلة تتم من خلال اتباع قواعد موحدة، مع إمكانية إضافة جزاءات أخرى بدل الغرامات المالية، كما أن التوازن على مستوى الجزاءات سيكون أكبر حافز على ضمان حسن تسيير المال العام، وحمايته من قبل كل الأطراف المشاركة في تدبيره.