حول موضوع حق جمعيات دور القرآن في استئناف عملها نظمت التنسيقية المغربية لجمعيات دور القرآن ندوة صحفية مساء يوم الجمعة 23 جمادى الثانية الموافق لـ27 ماي 2011 بقاعة نادي المحامين بالرباط، وتمحورت الندوة حول محورين أساسيين، أولهما: التعريف بالإشعاع القرآني والتنموي الذي عرفت به دور القرآن المغلقة، والثاني: الجواب والرد على التهم المغرضة التي كالتها بعض المنابر الإعلامية والجمعيات الحقوقية لدور القرآن، وذكر التجاوزات القانونية والسياسية والحقوقية التي انتهت بإغلاق قرابة 70 دارا للقرآن وتوقيف أنشطة الجمعيات القائمة عليها.
ابتدأت الندوة بقراءة قرآنية طيبة من المقرئ حسن مسيمك، والذي أمتع مسامع الحضور وشد أفئدتهم بقراءته المتميزة، وبعد انتهائه أعطى المنسق العام الأستاذ حماد القباج الكلمة للأستاذ محمد شوقي الناطق الرسمي باسم جمعية أم القرى الذي تفضل بذكر الهدف من تأسيس جمعيات دور القرآن والمتمثل في نشر كتاب الله عز وجل وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وربط الأمة بهذين المصدرين المعصومين؛ وأنها تستمد أصولها وأهدافها في التلقي والاستدلال، والاعتقاد والاتباع، والأخلاق والسلوك، من القرآن الكريم والسنة الصحيحة بفهم سلف الأمة..، كما تهتم في دعوتها الإصلاحية تصفية وتربية بالعلم النافع والعمل الصالح..
ومثل للأعمال التي تقوم بها جمعيات دور القرآن بنموذجين من الإشعاع التعليمي والتنموي لجمعية الدعوة إلى القرآن والسنة بمراكش، وجمعية القاضي عياض بسلا..
وختم كلمته بنداء لكل مسلم غيور أن يمد يد العون والإحسان لهذه المؤسسات التنموية الإصلاحية، ويدعمها في المطالبة برفع قرار الإغلاق الذي لحقها ظلما وعدوانا، لتحقيق أهدافها العظيمة، وله من الله الجزاء الأوفى..
ثم أخذ الكلمة المنسق العام للتنسيقية المغربية لجمعيات دور القرآن الأستاذ الباحث والكاتب في أسبوعية السبيل حماد القباج، ليتطرق لقضية دور القرآن وما لحقها من تجاوزات على الصعيد القانوني والسياسي والحقوقي والرد على التهم المغرضة التي كالها الإعلام العلماني لدور القرآن ولجمعياتها السلفية.
فعلى الصعيد القانوني أشار الأستاذ القباج إلى أن دور القرآن تعمل في الإطار القانوني الدستوري المنظم لحق التنظيم والعمل الجمعوي، وفي هذا الصدد لم تسجل أي مخالفة لجمعيات دور القرآن، ذات الإشعاع الإصلاحي والتنموي؛ والتي تخدم الصالح العام وتدلي بدلوها الأوفر حظا في الإصلاح الديني والتنمية الاجتماعية..
وأما التجاوز الإعلامي فيتمثل في كثير من الإجحاف وغير قليل من التهجم وكيل التهم لجمعيات دور القرآن وغياب الموضوعية والإنصاف في تناول القضية من طرف بعض المنابر الإعلامية كما بين المنسق العام، ومثل لذلك بـ: “تهمة الإنغلاق، وتهمة تهديد الأمن، وتهمة الماضوية، وتهمة نشر فكر الاعتزال والبدونة والتخلف والرجعية، وهذا خلاف الواقع ودور القرآن تتصف بصفات عكسية..، وهي بريئة من كل هذه التهم، بل هي حرب على ما ذكر في هذه التهم..”.
ثم تطرق للردّ على تهمة الانغلاق، فقال: “الانغلاق وصف نسبي، ويمكن لأي أحد أن يصف به من شاء.. كيف يمكن أن توصف هذه الدور بذلك وهي تدعو إلى كتاب الله وإلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تقررت فيهما أحكام وآداب المسلم بما لا يبقي مجالا لتسلل مثل هذه التهم إلى الأذهان، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: “المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم”..، فالشرع الحكيم يدعو إلى مخالطة الناس بالحسنى، وبالكلمة الطيبة، وبالسلوك القويم، وهذا الذي حرصت على ترسيخه دور القرآن في نفوس مرتاديها، وهي مفتوحة للجميع.. ولا تميز على أساس الجنس والفكر والمظهر والشكل.. وتقبل أن تقدم خدماتها الإصلاحية والتنموية للجميع”.
وأما تهم التخلف والرجعية والبدونة، فقد أشار الأستاذ حماد القباج إلى أنها تخرج من قاموس لفكر معين يرى أن التدين وأسلمة المجتمع واستقامة الناس من ذلك القبيل..
وأما ما سمي بفتوى زواج الصغيرة التي أغلقت على إثرها دور القرآن والتي عرفت تجاوزا إعلاميا خطيرا، فقد بين الأستاذ القباج بأنها فتوى نسجت في خيال بعض الإعلاميين.. وبأنها دعوى تهدد المجتمع، وذكر أن الدكتور المغراوي نفى أن يكون قد أفتى بذلك، وإنما كلامه تفسير لآية من كتاب الله عز وجل، لا يخرج عن كلام المفسرين.. ورغم ذلك أبى المغرضون إلى أن يجعلوا من المسألة تهديدا للطفولة ومخالفة لقوانين البلاد، مما دفع بعض الجمعيات الحقوقية إلى الدخول على الخط؛ لتزعم هي الأخرى بأن هذا الفكر يهدد المجتمع ويهدد حقوق الطفل، وهي مزايدات مكشوفة ومبالغة لا تحتاج إلى كثير من التوضيح..
كما استنكر على هذه الجمعيات حميتها المزعومة، وأن لرؤسائها مواقف تخالف ثوابت البلاد، وليس فقط بعض القوانين، وعلى رأسها الإسلام وإمارة المؤمنين والوحدة الترابية، جمعيات تعمل في العلن ويصدر منها هذا الانتهاك الصارخ والخطير..، ومع ذلك لا يؤاخذ أصحابها ولا توقف أنشطتها، فأين هو العدل والإنصاف؟
وذكر أن تلك المنابر الإعلامية لا تتحرك لكثير من الكوارث والمصائب التي تعاني منها الطفولة، وتحركت لما نسجه الخيال من فتوى زواج الصغيرة، ..والأحرى تتبع ما يهدد تعليم الأطفال، وشبكات تهريب الجنس وشبكات المخدرات والتدخين، وشبكات الانحراف الفكري..
وأما التجاوز على الصعيد السياسي فيتجلى حسب المنسق العام في “توجيه الوزير شكيب بنموسى تهمة الارتباط الفكري بالدكتور المغراوي، وجعل ذلك تهمة تؤاخذ عليها دور القرآن المغلقة”، ثم تساءل الأستاذ حماد متى يؤاخذ الناس بفكر غيرهم في دولة المؤسسات؛ دولة الحق والقانون؟
وذكر أن من القراءات السياسية للقضية، هو ارتباط هذا الإغلاق بسياسات دول غربية تعمل على محاصرة الفكر السلفي عموما، وقراءة أخرى ترجع الأمر لتغول بعض التيارات السياسية في المغرب التي مارست نوعا من الاستبداد وخرقت كثيرا من الحقوق..
وفي معرض حديثه عن التطورات والإصلاحات التي يعرفها المغرب ذكر الأستاذ حماد القباج أنه بعد محطتي 20 فبراير وخطاب 9 مارس لم يعد المغرب قابلا لمثل هذه التجاوزات.. ومن عربون نجاح المسار الإصلاحي الذي انخرط فيه المغرب ملكا وشعبا ومن أول مظاهره أن تصحح هذه الأخطاء والتجاوزات..
كما سجل المنسق العام للتنسيقية المغربية لجمعيات دور القرآن “تضامنه مع كل القضايا العادلة التي نالتها أيدي التجاوز وآخرها قضية الصحفي رشيد نيني الذي يحاكم على كتاباته ويتابع بمقتضى القانون الجنائي وليس بمقتضى قانون الصحافة كما هو الصواب”.
وجوابا عن سؤال جريدة السبيل بخصوص تهمة أن دور القرآن حاضنة من محاضن الفكر الحاض على العنف ورفض المجتمع والدولة والآخر، قال الأستاذ القباج: “هذا من الافتراء والتجاوز في حق دور القرآن الكريم، وإلا فإن الواقع والمحسوس في دور القرآن يؤكد أنها تحث على الانفتاح الإيجابي، وتنأى كل النأي عن فكر التطرف أو التشدد، فضلا عما قد يؤدي إلى فكر الإرهاب وفكر الممارسات الإفسادية والتخريبية..، دور القرآن كانت ولا تزال حربا على الإرهاب وعلى ممارسات التدمير والتخريب وعلى كل فكر يؤطرها أو يحث عليها..”.
وتابع قائلا: “لمّا حلّ ذلك الحادث المشؤوم في 16 ماي كانت جمعيات دور القرآن من السباقين إلى إنكاره ببيان شرعي مؤسس على نصوص من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم..”.
كما كان من ضمن المتدخلين عضو من منتدى الكرامة لحقوق الإنسان الذي سجل مرة أخرى تضامن المنتدى التام مع قضية دور القرآن واستنكر التجاوزات القانونية التي طالت جمعيات دور القرآن، واعتبر الإغلاق عقابا جماعيا، وخرقا للحقوق..
وقد عرفت الندوة غيابا لأغلب المنابر الإعلامية التي تم استدعاؤها حسب مصدر من التنسيقية، والذي أكد أن هذا راجع إلى منهجها المعادي لدور القرآن، وهي التي كانت تصول وتجول أيام فتوى زواج الصغيرة، ومنها من كان له دخل كبير في تسييس القضية..