حرية المعتقد في شروط الفرد والمجتمع والدولة والعالَم (1) محمد زاوي

 

هناك فرق بين منطقين: منطق يتصور الإنسان في الزمن والمكان، ومنطق آخر يتصوره مجرّدا في الذهن لا عن واقع متحرك. “الإنسان حر في اعتقاد ما يشاء”، لا اختلاف حول هذا المبدأ العام. إلا أن المبدأ شيء، والواقع في تغيره شيء آخر. “الإنسان حرُّ العقيدة”، ولكن: متى؟ وأين؟ “الإنسان يختار عقيدته”، ولكن: هل يختارها مطلقا أم أنه لن يكون قادرا على التحرر من اضطراره ودوافعه مهما ادعى ذلك؟

لا تطرَح هذه الأسئلة إلا نادرا، وذلك لأن الناس في تصور “حرية المعتقد” قسمان: من قال بالحرية المطلقة، ومن قال بالإكراه المطلق. يقرر الأولون وهمهم دون استحضار ما يلي: إيديولوجيا الدولة، التاريخ الخاص للمجتمع، ظروف النشأة والتربية، سيكولوجية المعتقِد، النظام الاجتماعي السائد عالميا أو وطنيا… أما الذين يلونهم فهم جبريون، يحرمون الإنسان من أدنى قدرة على التفكير والتمييز والترجيح بين اختيارين في الاعتقاد. وكخلاصة، فإن كلا الطرفين يشق عليهما استيعاب “حرية المعتقد” في إطار “ضرورات الفرد والمجتمع والدولة والعالم”.

الفرد حر في اختيار “معتقده”، ولكن وفق سيكولوجيته التي أنتجتها السنين. ولذلك كانت العلائق بالعقائد شتى، مع قابلية الإنسان لإصلاح نفسه ومعالجتها بضغط المجتمع وذوي القربى. في المثال، هناك عقيدة واحدة. وفي نفوس الناس، الهيئات شتى. إنها كذلك في المجتمع كله، بل وفي حياة كل فرد بعينه. تختلف الهيئات من فرد لفرد، كما تختلف لدى الفرد الواحد من مرحلة إلى مرحلة. الأصل هو التنوع في العقيدة الواحدة، وإذا تعددت العقائد واختلفت فحدث ولا حرج. إننا نختار عقائدنا، ولا نخرج عن إطارين: قانون النفس، واللاوعي الخاص بفرد دون آخر.

كيف تنشأ العقيدة في المجتمع؟ وكيف نفسر اختيار مجتمع لعقيدة دون أخرى؟ “التحدي والاستجابة”، “القابلية للاعتقاد ومضمون الاعتقاد”، “الحاجة والتلبية”… كلها ثنائيات تنفي أن تكون “عقيدة من العقائد” هي الفاعل الوحيد في الميدان.

المحدد هو الشرط التاريخي، والعقيدة تؤثر إذا كانت ناجعة في هذا الشرط. هذا ما حصل: في شبه الجزيرة العربية، وفي مغرب الأمازيغ، وفي مغرب الاستعمار العسكري… وهذا ما نرى أنفسنا محتاجين إليه في مغرب “الاستعمار الجديد”… قبائل شتى، بآلهة شتى. شعب غائب، ودولة لم تتأسس بعد. هذا هو الشرط الذي ظهرت فيه عقيدة التوحيد المحمدية، فكانت العقيدة السليمة الناجعة، وكانت الحاجة إلى التوحيد والدولة قائمة.

أمازيغ فتكت بهم الفرقة، وخافوا بطش الأجنبي من جديد حيث لا شعب ولا دولة. هذا هو شرط قبول عقيدة التوحيد التي جاء بها الدعاة الأوائل، وما زادها المولى إدريس الأول إلى تأكيدا وحرصا، فتأسست العقيدة ومعها نشأت الدولة. هذا، ولا تخرج عقيدة الحركة الوطنية (السلفية الوطنية) عن هذا الإطار. رب واحد في مواجهة آلهة الاستعمار المتعددة، وعبد مقاوم لا يرجو إلا جنّة ربه في أعلى عليين مع الصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.

وفي مغرب “الاستعمار الجديد”، هناك إرادات أجنبية لتفكيك “العقيدة الواحدة الجامعة”، وهو تهديد نستجيب له بتجديد عقدي بموجبه نعيد صياغة “عقيدة التوحيد” –دون مخالفة لأصول الدين- لمواجهة آلهة العصر الجديد: النزعة الاستهلاكية المتوحشة، التكنولوجيات، الكسل، النسيان، الدولار، الجنس الغابوي، الثورة المُعولَمة، إيديولوجيات الكونية، الأنانية، الإرهاب…

وخلاصة نقول: تنشأ العقيدة ويختارها الأفراد، في المجتمع لا خارجه. (يتبع)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *