كل من ابتلي بتتبع ما كانت تبثه القنوات التلفزية يذكر المخرج العالمي “ألفريد هتشكوك” الشهير بأفلام الرعب، ويحتفظ في ذاكرته بمشاهد أفلام مخيفة أغلب قصصها تدور في المقابر والمساكن المهجورة، وشخصياتها وحوش بعيون واحدة Les cyclopes)) بمخلوقات غريبة الشكل، وثعابين تتحول في لحظة إلى كلاب، وقطط قابلة لأن تصبح تماسيحا في لمح البصر.
“التشويه”! عملية مسخ المخلوقات بأحدث الطرق التقنية والتصويرية، حيث يجعل المخرج المتفرج يسافر عبر الخيال إلى كواكب تحكمها القردة، ويجلس في مركبات فضائية يسوقها أناس من بلاستيك أو مخلوقات من زجاج.
أبناؤنا يجلسون أمام التلفاز فاغرين أفواههم، مشدوهين مذعورين، مبهورين! يتلقون رسائل العنف والمسخ والفوضى والتكسير والهدم والقتل والطيران المفاجئ إلى أعالي الكرة الأرضية والسقوط في وسط بئر بلا قرار أو هوة عميقة بلا قعر.
إنها لظاهرة خطيرة فعلا أن نلحظ إدمان أبنائنا على هذا النوع من الأفلام، لكن أخطر منها أن نرى أن الأشباح والموتى الذين يقومون والعياذ بالله من قبورهم والفئران التي تهجم على الإنسان بالملايين لتمتص دمه، تدخل المقررات الدراسية لتسكن بين صفحاتها، فترى التلميذ يقرأ وقلبه يدق بسرعة 140 نبضة، وجلده يقشعر وريقه ينشف.
إن أشباح أفلام الرعب وجثث المقابر ووحوش الغابات قد دخلت التعليم من بابه الواسع.
والقصص المرعبة أصبحت تملأ المقررات الدراسية، لتحشو عقل التلميذ الباطن بحروب خيالية ووقائع وهمية وأسفار ورحلات غريبة حتى تجرده من الواقعية والعقل وتعصف باطمئنانه النفسي.
إن أغلب صور الرعب ومشاهد العنف وقصص المخلوقات المشوهة التي تملأ الكتب تؤثر على التلميذ، ومن يزعم أنها من باب الإبداع وشساعة الخيال إنما هو واهم لأن الخرافة لا تنمي ثقافة التلميذ بقدر ما تزعزع اطمئنانه بالاستقرار والهدوء الواقعيين، فيعيش أثناء نومه الكوارث والموت والصواعق وجرائم القتل والخنق والشنق، فتتراءى له “الرؤوس المعلقة” المقطوعة والثعابين الضخمة الرقطاء تزحف ليصرخ مذعورا من “الإرهاب”، الذي يمارسه بعد ذلك بدوره على أصدقائه وزملائه وإخوته.
إن التخويف والترهيب اللذان يخدمان الخطاب الديالكتيكي أحيانا لا يجب أن يصلا إلى درجة الهوس والمرض، ولا ينبغي أن تركز مقررات المدارس على صفات الخيال المفرط والخوف الشديد وتشويه المخلوقات والجرائم البشعة، فتقلب كل المفاهيم التي يكتسبها التلميذ من المعقول إلى اللامعقول ويفقد الخط الفاصل بين الحقيقة والخيال وبين الوهم والواقع.