وقفات مع البنوك التشاركية -أضراب الربا- ذ.نبيل العسال

 قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ﴾ [البقرة:278-279].

هذا وعيد شديد لمن لم يذر الربا، هذا الوعيد وصل إلى حد الحرب من الله ورسوله على المرابين الذين لا يريدون أن يتوبوا إلى الله عز وجل، والربا هو الكبيرة الوحيدة التي آذن الله من لم يتركها بالحرب، وقد حرم الله سبحانه وتعالى الربا وجعله النبي عليه الصلاة والسلام من الموبقات السبع ولعن آكله وموكله وكاتبه وشاهديه ومعلوم أن الله عز وجل لا يحرم إلا الخبائث التي تضر بالإنسان والربا ضرره كبير على الإنسان. ونعرض في هذه التوطئة بعض أضرار الربا:

  • أضرار الربا:

ينقسم المجتمع بصفة عامة إلى طبقتين، طبقة غنية عندها الأموال وطبقة فقيرة أو مسكينة ليس لديها المال أو ليس لديها المال الكافي للوازم الحياة، وبين الطبقتين شرع الله عز وجل كثيرا من الأمور التي يستفيد منها الطرفين، كالزكاة مثلا والصدقة والوقف والقرض الحسن وما إلى ذلك. ففرض الله على الغني الذي يملك مالا زائدا وقد بلغ النصاب وحال عليه الحول أن يعطي منه الى الفقير أو المسكين أو المصارف الثمانية المعروفة للزكاة.

ولكن الربا يفسد هذا كله فعوض أن يعطى هذا المال كما كان فيما قبل إلى بيت مال المسلمين الذي يتصرف فيه لصالح الفقراء أصبح هناك شيء آخر، وهو أن هذا الغني أصبح يستغل حاجة هذا المسكين إلى المال ويقرضه بزيادة وهذا هو الربا. وبعد ذلك يضطر هذا الفقير لكي يرد هذا القرض أن يعمل ويعمل ويكد لكي يرده إلى الغني.

في هذه الحالة الغني لا يدخل في مخاطر، لا يخاطر في استثمارات أو في تجارة أو غير ذلك، كل ما هو يفعل هو أنه يقرض هذا المال للآخرين بزيادة مضمونة ويأخذ على ذلك الضمانات الكافية، هذا المال ليس مقرونا بعمل فيبيع هذا المال بمال وزيادة. والمال كما هو معلوم عقيم دوره ليس أن يباع ويشترى كالسلع، لذلك فإن المخاطر تنحصر عند طبقة واحدة التي تتاجر وتعمل وتكد لصالح الطبقة الأخرى. ويكون بذلك ضرر كبير على الفقراء والمساكين والمحتاجين. وكان أولى وكما وصانا ديننا الحنيف أن يقرض الرجل الذي لديه مال قرضا حسنا لهذا المسكين أو الفقير أو يعطيه من زكاة ماله، ولكي ينمي أمواله ليس له سبيل سوى الدخول هو أيضا في مخاطر فيستثمر أمواله ليعود عليه بالنفع لأنه دخل في مخاطرات مثله مثل الآخرين وباستثماره يوفر مناصب شغل للطبقة الأخرى وبذلك يكون قد عم النفع.

فهذا المال الذي يكتنزه إما أن يؤدي عليه زكاة فإن أراد ألا يزكي عليه لكي لا ينقص فعليه أن يدخل في مشاريع سواء صناعية أو تجارية أو غير ذلك لكي ينمي ماله.

 من أضرار الربا أيضا: التضخم.. كيف ذلك؟

إن التاجر الذي يقترض مالا بزيادة، يحتسب هذه الزيادة في تكلفة المنتوج، ثم إن المشتري النهائي هو الذي يتحمل عبء هذه الفائدة. فترى المنتوج تزداد قيمته منذ بدايته في التصنيع، فشركة التصنيع نفسها قد أخذت قرضا لشراء آلة أو شراء سيارة أو بناية أو مواد أولية أو أي شيء تحتاجه. وأخذته بقرض بزيادة فهذه الزيادة تدخل في قيمة المنتوج، فيخرج هذا المنتوج أصلا من المصنع بزيادة. ثم بعد ذلك يصل المنتوج أيضا إلى التاجر الأول وهذا التاجر أيضا قد اقترض ليأخذ هذه السلعة من المصنع وبزيادة، كل هذه الزيادات يتحملها المستهلك النهائي فيكون سعر المنتوج بسبب هذه القروض قد تضخم. أما تلك الزيادة المفرطة فيستحود عليها البنك وبذلك تزيد الربا الغني غنا وتزيد الفقير فقرا بهذه الطريقة.

سنة 2008 أصيبت الدول المتطورة بأزمة مالية خانقة بسبب الربا، وقبلها كانت أزمات ولنفس السبب. فمثلا إذا تكلمنا عن الأزمة الأمريكية التي أعلن فيها أكثر من 250 بنك أمريكي إفلاسهم من 2008 إلى منتصف 2010 كان سببها المباشر هو عجز الكثير من الناس عن تسديد القروض التي أخذوها وتضاعفت هذه القروض بسبب بيعها من بنك إلى بنك.

بدأت الأبناك تبيع ديون الزبائن لأبناك أخرى ليعيد هذا الأخير جدولة جديدة له بفائدة أخرى زائدة لمدة أطول.

مثلا كان الدين 5000 دولار يصير 7000دولار تسدد خلال مدة أكبر ثم بعد ذلك إذا لم يستطيع أن يسدد تحصل نفس المسألة فيصبح 10000، دولار فيتضاعف مادام المقترض عاجز عن التسديد.

يقول الله سبحانه وتعالى “يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة”.

وبذلك صارت هناك منتوجات مالية افتراضية ليس لها وجود في الواقع. فهو في الأصل قد اشتراها مثلا ب 1000 دولار ولكن صارت مديونته تصل نسيئة إلى 10000 دولار.

9000 دولار الزائدة هذه هي منتوجات مالية افتراضية ليس لها وجود.

أما المنتوجات الافتراضية المالية صارت 12 ضعفا من المنتوجات المالية الحقيقية. كل هذا وكانت المصارف الإسلامية في منأى عن هذه الأزمات كما سنرى فيما بعد.

أمريكا وقعت إذا في أزمة خانقة بسبب هذا وقد سميت بأزمة الرهون حيث أن الأبناك لم تستطيع أخذ أموالها من العملاء فلجأت لبيع العقارات المرهونة ولعدم وجود المشتري تفشت الأزمة فسميت بأزمة الرهون.

يتبع..

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *