الجهاد والغرب وداعش.. تاريخ مِن تقتيلِ المسلمين يتكرر

لم يسبق للإنسان الغربي أن وضع سلاحه منذ أن احتك بالمسلمين، فالتاريخ يخبرنا أن حربه على المسلمين لا تضع أوزارها، إلا لتُشعِل جيوشُه حروبا أخرى أشد منها فتكا وتخريبا وهمجية، فلم يتخلف هذا على مرِّ التاريخ، سواء قبل ثورته وإعلانات حقوق إنسانه، أم بعدها، وسواء قبل فلسفات الأنوار أم بعدها، وسواء قبل إنشاء منظماته الدولية أم بعدها.
فحضارة الغرب علمنا تاريخُها أن ظاهرها السلام، وباطنها من قبله عذاب الكيماوي والنووي و قنابل الفسفور، التي تصبها جيوش التمدن والتمدين والديمقراطية وحقوق الإنسان على أطفال المسلمين ونسائهم.
الحرب بالنسبة للدول الديمقراطية مناسبة لتجريب نتاجها العسكري، وتقدم صناعاتها الحربية، هي فرصة يقيس خبراؤها خلال حملات جيوشهم قدْرة مخترعاتهم -من أسلحة الدمار- على تقتيل الأنفس العزل من المدنيين، ودك البيوت الآمنة على رؤوس النساء والأطفال.
فكم هو متمدن هذا الإنسان الغربي؟
كم هو عادل ملتزم باحترام ما يتشدق به من عبارات السلام واحترام حقوق الإنسان؟
قبل فلسفات التسامح وهرطقات السلام رأينا هذا الإنسان على صفحات التاريخ في القدس الشريف يُقتِّل الأطفال ويهتك أعراض النساء والفتيات، هذا خلال حملاته التي كان يرفع فيها الصليب والإنجيل، ورأيناه كذلك بعد سقوط الأندلس -كما يخبر بذلك مؤرخوه-، ينتهج الهمجية سلوكا، يقطع الناس إربا، ويُكره المسلمين على الكفر، يُمشط اللحوم بأمشاط الحديد حتى تظهر العظام، يتفنن في أساليب التعذيب إمعانا في الانتقام دون أن يغفل تمتيع «المتهمين» من عدالته «النزيهة» في محاكم التفتيش.
ثم حتى إذا ما ثار على ظلم رهبانه وكنائسه، أعلن علمانيةً شعارُها احترام الحق في الحياة، وإحلال السلام والقبول بالتنوع والاختلاف، وبَشّر بها كل أوربا، فاشتعلت ثورات الحقوق، وبَسطت نفوذها على أوربا وأمريكا، معلنة شعارات الحرية والمساواة والأخوة، فكانت ثورة فرنسا التي نُدرِّسها لأبنائنا نحن المسلمين، ونعلمهم أنها فاصلة بين العصر الوسيط والعصر الحديث، مركزين في أدمغتهم أن سنة 1789م هي نهاية الحروب الدينية ونهاية الاستبداد والظلم. ثم نغفل أن نعلمهم أن جيش الحرية والمساواة والأخوة بعد أقل من عشر سنين أي سنة 1798، رحل إلينا ليقتل إخواننا المصريين ويحرق بيوتهم وينهب خزاناتهم العلمية، -كما يُعْلِمنا بذلك المؤرخ الجبرتي في تاريخه وهو ممن عايشوا حملة نابليون على مصر-.
ثم بعدها بعام واحد 1799 كان في الشام يقتل ويحرق وينهب، ولما أسرت جيوشه أربعة آلاف مسلم شامي حار كيف ينقلهم إلى مصر، فاجتمع بقادة جيشه، فكان القرار أن يقتلوا بالحراب حفاظا على الذخيرة لصعوبة نقلهم سجناء إلى مصر.
وبعد نابليون، جاءت جيوش الحملات الإمبريالية ليستمر الإنسان الغربي المتحضر في التقتيل في شعوبنا، ينهب الثروات ويشعل ثورات، يقنعنا أنه جاء ليمدننا ويجلب إلينا الحضارة، ثم بين شعارات السلم والسلام وحملات التدمير والتقتيل، لا نستفيق من نكسة حتى تدهمنا نكبة، إلى أن استمرأ هو فينا القتل واستمرأنا نحن منه الإذلال والاستهانة.
فهل يتذكر أبناؤنا جيوش بوش التي فرضت منطق الفوضى الخلاقة في العراق فدمرت أقوى الجيوش العربية المسلمة واستباحت النساء والأطفال ونهبت الخيرات والثروات؟
لقد كانت فعلا فوضى خلاقة حيث خلقت من العراق قطعا وزعتها بين الصفوية والأكراد، خلقت حكما للصفوية وامتدادا لنفوذ الرافضة، حتى يحاصروا السنة ويحولوا دون وحدتهم لمقاتلة الغازي المجرم أو حتى مجرد مضايقة الصهاينة على الحدود.
ثم يستمر الرجل الغربي المتحضر في تقتيلنا فيدخل سوريا يقتل الأطفال والنساء يتداعى قواده من كل حدب وصوب إلى قصعتنا المستباحة، يسلح داعش ويزودها بالسلاح مقابل شرائه منها نفط المسلمين في سوق سوداء يتحكم فيها الرجل الأبيض عبر مافياته التي تمول حروبه.
«بوش» كان يعلم ما يقول، فها هو المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الـ سي أي آيه، (مايكل هايدن) يعلن اليوم مفتخرا: «أن دولا مثل العراق وسوريا لم يعد لهما وجود، مصرحا أن المنطقة ستشهد حالة من عدم الاستقرار قد تستمر لثلاثين سنة مقبلة».
وحتى تبقى الشعوب نائمة تائهة لا تعرف حقا من باطل، يروج الغرب لداعش بين شبابنا، يروج لبطولاتهم، يدعمهم بالسلاح والعتاد ليقطع الطريق على المعارضة الإسلامية في الجيش الحر وتنظيم نصرة، بل يستهدفهما بطائراته، فداعش من اللوازم الأساسية في تقسيم المنطقة ووضع الخريطة الجديدة على أرض الواقع، وبفكرها لن تكون أرحم بالمسلمين من الصفويين.
لذا يُؤمِّن الغرب -في تقاسم للأدوار- استمرارية تنظيم الدولة بتسهيل بيع النفط العراقي والسوري لشركاته لتصنيع مزيد من آلات التقتيل، فالحرب والتمدد تحتاج الأموال الباهظة ولن تنُفِق فرنسا أو أمريكا أو روسيا من جيبها شيئا، فبأموالنا نـُقتل وعلى أيدي زعمائنا نباد.
يقول الزعيم التركي طيب رجب أردوغان: «إن المشروع الذي يتم إجراؤه حاليا في العالم عن طريق تنظيم داعش هو مجرد حملة لتفكيك العالم الإسلامي، وقد بدأ المشروع في سوريا باسم عملية عسكرية تستهدف تنظيم داعش، ولكن تلك الحملات العسكرية لا تستهدف داعش إنما هي تستهدف المعارضة السورية، وهذا واضح للعيان، إخوتي الأعزاء، أنا في هذا اليوم وفي هذه المناسبة أريد أن أتحدث معكم عن مشكلة داعش، بعض الأطراف تعمل على استخدام تنظيم داعش لإجراء خطة في سوريا والمنطقة، وأنا أريد أن أقولها بكل صراحة: لا توجد دولة في المنطقة تعادي داعش فعليا غير تركيا».
فهل نبقى نلعب دور (الأصم في الزفة) حتى تصلنا الحرب إلى بيوتنا؟
من يطّلع على التاريخ يدرك جازما أن كل الحروب التي تشتعل في بلداننا، كان الإنسان الغربي المتحضر يعطي لها صورة خدمة يقدمها للمسلمين، حتى لا يُقابَل جهاد طلبه لنا، بجهاد دفْعِنا له.
إنه يخشى دائما أن يثير الشعوب المسلمة لأنه يعلم أن روح الجهاد كامنة في قلوب أبنائها، تسقيها الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة، ويذكيها التاريخ البطولي للأمة، لهذا يحاول الغرب من خلال علمانيي دولنا أن يغير مقرراتنا الدراسية و«يصحح» فهمنا للقرآن والسنة، فيزرع بيننا لذلك أمثال «مؤمنون بلا حدود» لتُعلمنا كيف نؤمن، وتشرح لنا ديننا وتجدده، ويمولها بالأموال الخليجية النفطية نفسها التي تديرها شركاته المتعددة الجنسية، والتي سُخرت للانقلاب على مرسي، وقتل المسلمين في رابعة، ومحاصرة غزة بمن فيها وإغراق الأنفاق بمياه البحر.
إنها القصة نفسها تتكرر: استغلال الدين لتنويم عباد الله المؤمنين.
ولنتمعن في خطبة نابوليون الذي استعاض ورثته عن مثلها ببحوث العلمانيين وبعد علماء السوء مثل علماء السيسي.
قال نابليون مخاطبا العلماء والمشايخ:
«بسم الله الرحمن الرحيم، لا إله إلا الله وحده، ولا شريك له في ملكه…
أيها المشايخ والأئمة… قولوا لأمتكم إن الفرنساوية هم أيضاً مسلمون مخلصون، وإثبات ذلك أنهم قد نزلوا في روما الكبرى وخرّبوا فيها كرسي البابا الذي كان دائماً يحّث النصارى على محاربة الإسلام، ثم قصدوا جزيرة مالطا وطردوا منها الكوالليرية، الذين كانوا يزعمون أن الله يطلب منهم مقاتلة المسلمين، ومع ذلك فإن الفرنساوية في كل وقت من الأوقات صاروا محبين مخلصين لحضرة السلطان العثماني.. أدام الله ملكه…
أدام الله إجلال السلطان العثماني، أدام الله إجلال العسكر الفرنساوي، لعن الله المماليك وأصلح حال الأمة المصرية».
نلاحظ أن بعض علماء السوء ينفذون ما جاء في خطبة نابليون بحذافيره، بل يجتهدون في التنزيل من خلال إشغال الناس بجهاد الطلب مثلا وأنه لا يجوز دون إذن الإمام، وهذا حق، ولكن هدفهم أن يبطلوا جهاد الدفع أيضاً، فلا هم بينوا الحالة التي تعيشها أمتنا لشعوبنا، وما يتطلب ذلك من استنهاض لهمم أبنائنا للدفاع عن دينهم وأوطانهم، ولا هم تركوهم يقومون بذلك.
في حين نجد الغرب خلال القرون المديدة منذ سقوط الأندلس، هو من يقوم بجهاد الطلب فينا ويحتل بلداننا، ويرسي القواعد العسكرية فيها، ويتحكم في مقدراتنا وقراراتنا السيادية.
إنها القصة نفسها تتكرر في كل بلد من بلداننا يغزوه الغرب، تجد أمثال مفتي بشار، يبيح دماء المسلمين ويقف في صف أعداء الإسلام والمسلمين.
في أوائل دخول الجيوش الفرنسية إلى المغرب قام المشايخ الصادقون أمثال أحمد الهيبة بن الشيخ مَاء العينين، والمجاهد عسو أوبسلام، والشيخ موحا وحمو الزياني، فاعتبرهم الفرنسيون إرهابيين، وكانوا يرمون من طائراتهم بالفتاوى التي تحرم قتال جيوش فرنسا وتعلم الناس أن كل من يقاتل ضد الفرنسيين فهو خارج على السلطان.
إننا لا ندعو إلى الفوضى ولا نقر الأعمال الوحشية التي تقوم بها داعش، لكن هل هذا يتطلب منا أن نقف مع الأمريكان والفرنسيس والروس وبشار وإيران الصفوية وحزب اللَّات المجرم ضد إخواننا وأهلنا وأمتنا؟
كيف نقنع أبناءنا بالمفهوم الصحيح للجهاد، دون أن تقفز بين أعينهم وتسائلهم صور المسلمين في فلسطين وسوريا والعراق وبورما وإفريقيا الوسطى، حيث أشلاء المسلمين تستحث إخوانهم للدفاع عنهم؟
إن النخبة الواعية المهتمة بقضايا المسلمين، لا يسعها دينا ولا عقلا أن تقف موقف المتفرج على ما يجري للمسلمين، فأقل الواجب عليها في هذه الحرب القذرة التي تأكل إخواننا، أن تفضح خطط الغرب في تفتيت بلداننا مرة أخرى، بعد أن استنفذت خارطة سايس-بيكو صلاحيتها، كما على قادة بلداننا أن يحذروا الاصطفاف بجنب أعداء الملة والدين والمسلمين، فإنهم لن يرقبوا فيهم ولا في شعوبهم إلا ولا ذمة إذا جاء دورهم.
فالتاريخ يعيد نفسه، والأمل بعد الله سبحانه في شبابنا الذي يزداد كل يوم وعيا وفهما ودينا.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم
إبراهيم الطالب/جريدة السبيل
ettalebibrahim@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *