شرح المشكل في شعر المتنبي
قال المتنبي:
) فَبَعْدَهُ وإلى ذّا اليومِ لَوْ رَكَضتْ … بالخَيلِ في لَهَوات الطِّفْل ما سَعَلاَ)
أي أن هذه القبيلة قَلَّتْ وذَلًّت، حتى لو ركضوا الخيل، على قوة الركض، في لَهَوات الطفل، على ضعفه، ما شعر بهم فيسعُل، بالغ بذلك كقوله:
ولَوْ قَلَمٌ ألْقِتُ في شِقِّ رأسِه … من السُّقم ما غيرتُ من خط كاتب
فأما قول رؤبة في صفة الصائد:
فباَت والنفسُ من الحِرْص الفَشَثْ … في الغاب لو يمضغ شَرْياً ما بَصَق
فإنما أراد أن هذا القانص من النَّهَم على صيد الوحش، وخشية أن يسمع له حِسَّا فينفر، لو مَضَغَ الحنظل، لم يبصُق خشية أن يُنَفِّرها بَصْقهُ، وقال الأصمعي: إن نهمه عَلَى التَّصُّيد قد شغله حتى لو مضغ الحنظل لم يشعر بمرارته فيبصُق.
وخص المتنبي لهوات الطفل لأنها مظنة السُّعال.
وقوله: ركضت بالخيل، إنما وجهه: لو رَكَضتْ الخيل، يقال: ركضت الدابةَ، ولا يقال ركضتُ بها. هذا هو المعروف في اللغة، لكن قد يجوز أن يكون ركض بالدابة لغة، فيكون من باب طَوَّحْته وطوَّحْتُ به. وقد يجوز أن تكون الباء زائدة كقوله: (سُودُ المحَجرِ لا يَقْرأْنَ بالسُّوَرِ)
) كَمْ مَهْمَهٍ قَذَف قَلْبُ الدليل … قَلبُ المحبِّ قَضَانني بعدَ ما مَطَلا)
قال: (المحِبّ) فجاء به على لفظ الفاعل، ولم يقل الحبيب وهو يريده، لأنه عَنَى شدة إشفاقه في المَهْمَه، وذلك أن المعشوق إذا أحب عاشقه، فإنما يهجرهُ لخوف واش أو رقيب، فإذا رآه خَفَق قلبُه لإشفاقه، ولو كان المحِب غير مُحِبّ لم يتجشم الزيارة على شدتها، وهذا كقول علي بن جَبَلة:
يأبى من زارني مُكْتتمِاً … حَذِرَا من كل حِسٍّ فَزِعاَ
فقضاني بعد ما مَطَلا على هذا القول، جملة في موضع الحال، ويجوز وضع الفعل الماضي موضع الحال، لأنه قد يوضع موضع المستقبل في قوله: إن فَعَل فَعَلْت. وفيما حكاه سيبويه من قولهم: والله لا فعلتُ، يريدون لا أفعل.
وقد ذهب بعضهم في قوله تعالى: (أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) إلى أن (حَصِرت) في موضع الحال، وقد فيه منوَّه. ويشهد عندي أن حصِرت في موضع الحال قرأه من قرأ: (أو جاَءُوكم حَصِرَةً صُدُورُهم).
وأما قوله: (قلب الدليل به قلب المحب) الذي هذه صفته فمعناه: أن فؤاد الدليل وَجِل كقلب المحب الزائر المتوقع للفضيحة.
وقد يجوز أن يكون (قضاني بعد ما مطلا) خبراً عن المَهْمَه، أي: كم من مَهْمه قد قضاني بعد ما مطلا، قلب الدليل به قلبُ المحب.
وأما (قضاني بعد ما ماطلا) وهو يعنى المهمه، فمعناه: أن المهمه طال عليه، فمطله بالنجاة منه، ثم قضاه بعد حين، وكلاهما مستعار
وأما قوله: (قلبُ الدليل به قلبُ المُحِبّ) فمعناه: أن قلب المحب يرجو ويخاف. وكذلك قلب الدليل يرجو الهداية ويخشى الضلالة.
أمثال العرب
الأبلق العقوق
زعموا أن خالد بن مالك بن ربعي بن سلمى بن جندل بن نهشل بن دارم ابن مالك بن حنظلة بن مالك كان عند النعمان بن المنذر في الجاهلية، فوجده قد أسر ناسا من بني مازن بن مالك بن عمرو بن تميم، فقال: من يكفل بهؤلاء؟ فقال خالد: أنا كفيل بهم، فقال النعمان: وبما أحدثوا، قال: نعم وإن كان الأبلق العقوق، فقال له النعمان: وما الأبلق العقوق؟ قال: هو الوفاء، فذهب الأبلق العقوق مثلا، قال الشاعر:
فلو قبلوا منا العقوق أتيتهم … بألف أوديه من المال أقرعا
أي تامّ.
طلب الأبلق العقوق فلما … لم يصبه أراد بيض الأنوق
وصية زهير بن أيمن
قال علي بن محمد، عن جده الدعبل بن علي، أن زهير بن أيمن بن الهميسع وصى ابنه عريب بن زهير ولم يكن له ولد غيره، فقال: يا بني، قد انتهى إليك ما كان من وصية جدك سبأ بن يشجب بن يعرب، وما افترق عليه ابناه يوم الوصية والقسمة، وهما جداك حمير وكهلان فلا تجرين الأمر إلا على ما جرت به الرسوم من لدنهما إلى هذه الغاية، وأوصِي بعدك من يصلح لهذا الأمر من ولدك ومن إخوتك، وأوصيك بالثبات على ما وجدتني عليه من العدل في الرعية والتجاوز عن المسيء والكف عن أذى العشيرة، والتحفظ بها والتحبب إليها، فما المرء إلا بقومه ولو عز، وأنشأ يقول من البسيط:
عَريبُ لا تنسَ ما وصَّى أبُوكَ بهِ … إنَّ الوصية لمَّا يعدُها الرَّشَدُ
كلُّ امرئٍ عِزُّهُ فاعلم عشيرتُهُ … وفي العشيرةِ يُلغى العِزُّ والعددُ
ما البيتُ لو لمْ يكنْ فوقَ الأساسِ ولم … تقلّه دعمٌ للسعف والعَمَدُ
لولا الغَريفُ ولولا خيسُ غابَتهِ … لما سطا موهِناً بالقُدرةِ الأسدُ
فضيلة المرء تؤويه وتعضدُهُ … إن الذليلَ الذي ليست لهُ عَضُدُ
والمرءُ تسلمُ دُنياهُ ونعِمتُهُ … ما ليسَ يأتيهِ من إخوانِهِ الحسدُ
فائدة لغوية
عزا العرب بالاستقراء وطول الإدمان مدلولات بعض الحروف عند دخولها في تركيب الألفاظ، فقالوا مثلا:
– إن “الحاء” إذا تطرفت دلت الكلمة المختومة بها على معنى: “الاتساع” و”الامتداد” و”الانتشار”.
مثل: باح-ساح-فاح-راح-فلح … الخ
– و”الشين” إذا وقعت في أول الكلمة دلت على: “التفريق”.
ومثل: شتت، أو على الظهر مثل شقَّ .
– كل ما كان ثانيه ” تاء”، أو” ثاء”، أو “دال”، أو “ذال”، أو “صاد”، أو “طاء”: يدل على (القطع، والكسر)
مثل: بتَّ- قدَّ -قصَّ- قضم- قطم-قطع- قطف- قطر …الخ
– “الغين” إذا وقعت في صدر الكلام فهي تدل على: معنى (الخفاء) ..
مثل: غابَ-غاص-غاض-غمس-غبن وغام
– “النون” و”الفاء” إذا بدأت بها اللفظة فتدل على: (الخروج)
مثل: نفح-نفد-نفر-نفخ… الخ.
– و”الحاء” و”الجيم” تدلان على: (القطع)، و(الاستئصال)، و(الكسر) ..
مثل: جزم-جذم-جرم-حسم-حطم-قضم-خضم-خرم الخ
– حرف “الهاء” يدل على(الحمق) و(الغفلة)، مثل: بلَهْ، تفُهْ، عتُه…
وكل ذلك من باب التغليب.