من نضالات المعارضة: التربية الموسيقية لمحاربة التطرف! نبيل غزال

بالأمس القريب أسدل الستار على الذكرى العاشرة لأحداث الدار البيضاء الدامية؛ وهي أحداث كان لها ما بعدها؛ حيث أعقبها تغول كبير للتيار العلماني الذي سرَّع تنزيل مشروعه المجتمعي؛ وسعى بكل ما أوتي من قوة إلى استئصال مخالفيه؛ وعانى بالمقابل من هذا التطرف أصحاب المشروع الإسلامي معاناة كبيرة لازال بعضها مستمرا حتى كتابة هذه الأسطر.
إلا أن ما شهده العالم العربي من أحداث جسام قلص من تغول التيار الاستئصالي؛ وحال دون إكمال مشروع علمنة المجتمع في شتى مجالات الحياة.
ونحن نشهد اليوم ردود أفعال بعض المنتمين إلى هذا التيار وهم يرون مشروعهم يتعثر، وشعبيتهم تتناقص يوما بعد آخر؛ والناس ينفضون من حولهم؛ لأنهم يحملون مشروعا ضعيفا؛ وبحمولات وقيم غريبة وبعيدة عن هذا البلد؛ إضافة إلى أن الناس ملوا من الاستبداد وصار لديهم وعي بحقيقة كثير من الأحزاب وما يرفعونه من شعارات سياسية جوفاء.
فبالأمس وقف حكيم بنشماس رئيس المجلس الوطني لحزب الأصالة والمعاصرة فزعا من الردة الثقافية والمشروع الحكومي الذي يعطي مؤشرات تدعو إلى القلق، بتراجع تنظيم مهرجانات موسيقية كانت مشتلا لإبراز المواهب وتهذيبها وصقلها؛ وفق قوله.
وطالب بنشماس وزير التعليم بالتربية الموسيقية لتهذيب الذوق العام؛ وخلق التوازن النفسي عند الفرد والجماعة، وتعميم القيم الجمالية وقيمة الحب وقبول الآخر.
واستغرب قيادي البام عدم وجود مناصب مالية جديدة لتأهيل أساتذة مادة التربية الموسيقية بأسلاك التعليم الثانوي الإعدادي التأهيلي وغياب جامعات ومراكز تكوين تعلم هذه المادة.
وأكد في الأخير الحاجة إلى التربية الموسيقية لمواجهة ظواهر مثل العنف، وتعاطي المخدرات، وانتشار ثقافة الكراهية والعداء والتهجم، وقال: “من دون شك سيادة الوزير شفتو واحد الفيديو في الأنترنت كايبان فيه واحد الشخص يظن أنه بمجرد ما يكبر شوية ديال اللحية ويدير ليها الحنة بإمكانو يصدر فتاوى ديال التكفير.. هادشي كولو ولا تيخوف، ويدعونا إلى الانتباه وإلى الاستثمار في جيل المستقبل، والاهتمام بالجوانب الجمالية والثقافية الموسيقية. أطرح عليكم أنتم هاد السؤال تحديدا من قناعتي أنكم تحبون الحياة وتعرفون معنى وقيمة هادشي الذي تانتكلمو عليه فالمجتمعات ديالنا، بغينا تقولوا لينا الحقيقة فاش تتفكروا بالضبط؟ تنحسو أن كاين شي شيوية ديال الزحف ديال شي حاجة مظلمة مخيفة بغينا نوقفوها فالمهد” اهـ.
فخوف قيادي البام مما يسميه ظلاما أو قوى رجعية..؛ أو غيرها من مصطلحات اليسار؛ وخطته لمحاصرة هذه القوى عن طريق الموسيقى، ليست قاصرة عل حزب الجرار فحسب؛ بل تتعداه إلى كل الفعاليات والقوى التي تتبنى العلمانية كمشروع؛ فخطتهم محاربة انتشار تدين الشباب عن طريق الإكثار من المهرجانات الموسيقية، كما عبر غير واحد من المنتمين إلى هذا التيار، وهي خطة تندرج ضمن الأسباب التي تجعل مشروعهم المجتمعي ضعيفا وغير مقبول كما أسلفت.
فمن ضمن الأوراش الكبرى التي كان هذا الفصيل يشتغل عليها -ولا زال- ورش الشباب؛ إذ السباق إلى التأثير على هذه الشريحة يستطيع أن يضمن قاعدة انتخابية كبيرة وشابة، ويجدد نخبته، ويؤكد حضوره في الساحة السياسية والثقافية والاجتماعية.
وقد تنوعت اليوم أساليب تأثير العلمانيين في الشباب وتعددت، وبلغت حدا يصعب على المتتبع حصره وضبطه، وذلك بنسخ ونقل بعض التجارب الغربية المخصصة لهذا الغرض، كبرامج الشباب ومهرجانات موسيقى الشباب كـ”البولفار” و”موازين” ومهرجان سلا لموسيقى الشباب، و”ستوديو 2M”، فصار عدد المهرجانات في بلد النشاط والبهجة يقارب المائة.
وهي برامج ومهرجانات خطيرة، بحكم أنها تهدف إلى تتفيه عقول الشباب؛ وحصر اهتماماتهم في الملذات وإشباع الشهوات.
فلا أحد يقف ضد الترفيه والترويح عن النفس البشرية في إطار المباح؛ فهذا أمر مطلوب حتى يجدد الإنسان نشاطه ويستعيد حيويته؛ لكن هذه البرامج الثقافية لها حمولات ومضامين علمانية؛ الغاية منها تعبئة الشباب بمفاهيم شاذة وتأطيرهم وفق أيديولوجية معينة.
إنها برامج ومهرجانات شعارها العري والاختلاط والرقص الماجن وتقليد الإنسان الغربي في لباسه وكلامه وحركات تعبيره بل حتى غنائه.
إنها برامج ومهرجانات تصرف عليها الميزانيات الضخمة، في وقت يعاني فيه الشباب المستهدف بهذه البرامج من ضعف التمدرس والتكوين والبطالة والبحث العلمي..
إنها برامج ومهرجانات الغرض منها ربط الشباب مباشرة بالرموز المزيفة التي تروج لها كثير من المنابر الإعلامية، وهو ما تجسده مظاهر صراخ وعويل وبكاء بعض الشباب حين رؤيتهم لمثل هؤلاء الفنانين؛ والتطلع إلى الظفر بتوقيع أو صورة تؤخذ معهم.
إنها برامج ومهرجانات تعج ساحاتها بالسرقة والسطو والمخدرات والتحرش والاغتصاب؛ وأصناف أخرى من ألوان الجريمة.
إنها برامج ومهرجانات تفسد الذوق العام، وتزعج المواطنين وتعرقل حركة السير في العديد من مدن المملكة.
إنها برامج ومهرجانات تشتت ذهن التلاميذ والطلبة وتمنعهم من التركيز والتحضير الجيد خلال فترة الامتحانات.
إنها برامج ومهرجانات تجعل الأسر المغربية تعيش صراعا داخليا، بين الآباء وأبنائهم، وتكره الآباء على الاستجابة عنوة لمطالب الأبناء؛ وربما إلى السفر وقطع كيلومترات لتحقيق طلبهم.
إنها برامج ومهرجانات تستغل براءة الأطفال واندفاع الشباب لتسوق لقيم غربية بعيدة عن هويتنا وديننا.
إنها برامج ومهرجانات لا تحارب التطرف بل تدفع إلى الاحتقان وتزيد من حدته.
وهي إفرازات من المفروض من نواب الأمة أن يدركوها ويحيطوا بها علما، ويسعوا بكل ما أوتوا من قوة إلى تداركها وتجاوزها لخدمة جيل المستقبل.
إذا كان نائب الأصالة والمعاصرة يخشى من التطرف فليعمل على محاصرته انطلاقا من مرجعية البلد الذي يعيش فوق أرضه ويتنفس هواءه؛ ولا يستورد مناهج غربية لها من الحمولات القيمية والإفرازات السلبية ما يجعلها تطرفا في حد ذاتها.
إن الواقع يكشف لنا أن حاجات الناس والمجتمع في واد و”نضالات” المعارضة في واد آخر، فبعد إدريس لشكر الكاتب الأول لحزب “الاتحاد الاشتراكي” الذي دعا إلى (ضرورة فتح جبهة ثقافية ضد التيار المحافظ؛ وتبني إصلاح الدستوري وفق تصور عقلاني تنويري لا إسلامي ظلامي يعيد طقوس السلف الصالح)؛ ونائبة عضو “حزب التقدم والاشتراكية” التي احتقرت قيمة العفة، واعتبرت (البكارة من المفاهيم المتلاشية)؛ جاء نائب “حزب الجرار” ليطالب بالتربية الموسيقية لمحاربة “التطرف”!
تلك هي “نضالات” المعارضة للأسف الشديد!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *