كتبت وكالة هافاص عن معركة احتلال قصبة القائد أنفلوس ما يلي:
“لقد كان لاحتلالها دوي كبير ليس فقط في الجنوب ولكن في كل نواحي الإيالة الشريفة”.
الكولونيل برولارد بعد احتلال القصبة، ذهب ليعسكر بدار زليتني، شرق قصبة أنفلوس حيث تلقى عددا من الخاضعين من آيت زمزم، وآيت زليطن، في حين تراجع أنصار أنفلوس لأداونتان، أما الكلولي فقد قدم طاعته، وأُخذ لموكادور، ومنها للدار البيضاء، حيث رُحِّل للجزائر.
ألمانيا أعلنت بأن الكلولي محميها، وهو السلاح الذي كان يستخدمه القائد من قبل.
إدا وكيرد صاروا خاضعين، وقدموا ذعائر حرب ثقيلة للكولون.
كولون برولارد دخل يوم 8 فبراير 1913 لموكادور، بعدما زار في طريقه دار القاضي للتذكير بما وقع لمفرزة ماسوتي وقتلاه، وقد ألقى الجنرال خطابا هناك جاء فيه:
“المهمة العسكرية التي كلفت بها قد انتهت، القائد أنفلوس الذي قام بعمليات مقاومة أيام 24 و25 يناير1913 حيث راكم المغاربة بقيادته في طريق زحفنا عددا من العراقيل الفاعلة، لكن بعد احتلالنا للقصبة لم يبق لهم ما يستخدمونه هناك للاختفاء والحماية، لقد خسر قصبته وجزء من مدخراته.
كمين دار القاضي الذي أدانها موتانا الأماجد في 24 دجنبر 1912 جاء زملاؤهم اليوم للانتقام منها، هذه النتيجة البراقة المحصل عليها من قبل قواتنا الموسومة بالقسوة والبأس والتحمل والبسالة، والتي تقدمها اليوم بفرح وابتهاج، يظهر نوع العمل الذي يمكن أن يقدم لاحقا لتجاوز الصعاب بأقل الخسائر.
لذلك يعرب الجنرال لكل الضباط والجنود عن كامل الرضى والعرفان بالجميل” (الجنرال برولارد).
تلقى الجنرال ليوطي هذه الأنباء السارة عند حلوله بالدار البيضاء، فقرر إنشاء قيادة موحدة للجنوب عهد بها للجنرال برولارد باعتباره قائدا عاما لتلك الناحية: (الكولونيل منجان قاعدة مراكش)، ودكالة وعبدة (كلونيل بيلتيي قاعدة مزكان)، وذلك من أجل عدم تكرار ما وقع في دار القاضي.
من جهة أخرى تم إعلان حركة لكلاوي ضد الهبة في 23 يناير 1913 حيث تم الاستيلاء على تارودانت بعدما خلف الأعداء خسائر هامة في صفوفهم.
أما في الشمال فقد علم أن هناك محاولات تمرد ومقاومة في ناحية مكناس.
الكولونيل نلتنير أرسل لمهاجمة بني امكيلد الذين هاجموه بعنف وقوة يوم 20 يناير، وفي 24 يناير هجموا على معسكر الكومندار لابوردري في عين معروف حيث تكبدوا خسائر جديدة.
بني امطير أبانوا عن رغبتهم في إقامة علاقات معنا، لكن سيدي رحو وبني امكيلد منعوهم من ذلك، وبقوا معادين لنا حول قصبة عروب.
في شرق المغرب قام الجنرال أليكس بتفقد مراكز ملوية في آخر شهر يناير 1913 للاطلاع على استعدادات القوات الحامية لعملية مد خط السكة الحديدية بين (تاوريرت وكرسيف) و(وجدة وتاوريرت)؛ هذه الأشغال التي كانت تسير في تقدم متواتر حيث وصل مد قضبان السكة للنعيمة، وجاري العمل في قنطرة واد زا، وستستأنف الأشغال بمجرد وصول التجهيزات لفرقة الهندسة العسكرية العاملة بالمشروع.
وبفضل انتشار القوات في كل من تاوريرت، ومرادا، وكرسيف، وامسون، ضمن الجنرال أليكس التهدئة على طول خط الأشغال (افريقيا الفرنسية ص71، 1913).
جاء في مجلة إفريقيا الفرنسية 1913 ص116 وما بعده:
“بأن الجنرال برولارد بعد تدميره قصبة القائد أنفلوس، وليظهر للسكان قوة بطشه، فرض على القبائل المغزوة والخاضعة، غرامات حربية عقابا لها على مقاومتها للغزو، وكذلك على الفخدات التي أخضعها في طريقه نحو مراكش.
تم تعين قياد جدد على الفخدات والقبائل الخاضعة من قبل المخزن، وكل إليهم تنفيذ التنظيمات الجديدة، وفق التقسيمات الإدارية المحدثة من قبل الحاكم العسكري.
عاد الهدوء للشياضمة وفتحت الطريق للسفر بين أسفي ومراكش.
القائد حاجي جاء لإعلان خضوعه، تدفعه رأفة المسؤولين الفرنسيين والمخزن.
في حاحة كانت الناحية تنتجع، لكن واقعة الشهر الماضي جعلت ذلك الأمر صعبا ومقلقا، كما أن القائد امبارك بقي يلقى بعض المصاعب في تثبيت سلطته.
وبهذا المقدار يمكن فهم الوضع المضطرب للجماعات المتاخمة للجنوب، حيث إدا وكلول ما يزالون في حركة نشيطة معادية لنا، مثل النواحي الجنوبية المنفلتة من سلطتنا، خاصة بعدما استقر أنفلوس مع مشايعيه المسلحين قرب القبائل المدعمة للهبة تحت (ليوطنا) قائد تابع له.
تسوية مسألة إدا وكلول بدأت تلوح في الأفق بعد اتخاذ قائدها السي عبد الرحمان الكلولي الثائر، موقفا جديدا بقبوله تقديم الطاعة للمخزن دون شروط، مبتعدا عما كان يطالب به من تركه قائدا على الناحية، بعدما رأى فوز قواتنا عليه، فترك أمره للمخزن من غير أن يحتمي بألمانيا، كما كان يفعل في السابق.
تقديرا له أمر المخزن بإبعاده عن البلاد، وذلك بإسكانه مكناس حرا طليقا (أقول أنا ادريس كرم الحقيقة خلاف ذلك، كما أشرنا سابقا لما جرى له من نفي للجزائر وسجن بمكناس).
الجديد في جنوب الأطلس هو الإعلان عن حركة الكلاوي التي عادت لناحية تارودانت بعد فوزه على أنصار الهبة، هو ومن معه من جماعات في ناحية تيزنيت مناصرة للسلطان مولاي يوسف.
لذلك يمكن القول بأن الوضع غامض في سوس بين حركة لكلاوي ومناصري الهبة، ومن أجل إجلاء الأمر، وجب احتلال أكادير، والذهاب من هناك لتارودانت عبر قوة فرنسية، وتأكيدا لهذا الاختيار وتنفيذا له، قام المقيم العام ليوطي بزيارة موكادور، والمكوث بها ما بين 20 و25 فبراير1913، والتباحث مع الجنرال برولارد لتنظيم وتأليف الإشراف على ذلك التحرك، بصفته برولارد القائد العام للجنوب المعين من قبل ليوطي بعد تدمير قصبة أنفلوس.
ونشير للقلق الذي كان عليه برولارد في هذه الأثناء من جراء الاحتجاجات التي ظهرت بمراكش، نتيجة للمصاعب التي لاقيناها في ناحية موكادور، وشرق ناحية دمنات والصراغنة التي تغلب عليها منجان بفضل حيويته.
بخلاف الشمال في ناحية تادلا حيث المعارك على أشدها في نهاية فبراير 1913 وأوائل شهر مارس، مركز واد زم الذي يغطي الشاوية، هوجم من تلك الفترة مرتين من قبل حركة نزلت من جبال تادلا الجنوبية.
في 18 فبراير 1913 تم الهجوم الأول من قبل عدة آلاف من الرجال الذين لا يخشون شيئا، فكونت سرية متحركة من قبل الكولونيل سيمون، زحفت على ادشر أولاد عبدون، أما الهجوم الثاني فتم في الثالث من شهر مارس 1913 على الساعة العاشرة صباحا حيث سقط لنا 16 جريحا وتكبدت الحركة مئات القتلى.
معركة أخرى جرت يوم 15 مارس في مشرع بن اسمت فقدنا فيها 19 قتيلا بينهم ضابط.
لم يكن هناك سبب لجرنا عبثا للجبال، المقيم العام أمر بالتوقف في أحسن المواضع الممكنة لتحقيق حماية الشاوية، المجاورة لتادلا، فتم إنشاء ملحقة مستقلة بواد زم متصلة مباشرة بكومندار الشاوية، للتعرف على قبائل تادلا الشمالية، كان على هذه الملحقة التكفل بهجمات النواحي في الخلف وضمان التواصل مع سكان تادلا، والمراكز الأخرى المتقدمة نحو نفس النواحي، الموجودة في لبروج، وجانب من بني مسكين المتعلق، بدائرة سطات، مع الذي في برشيد، واللذان يقتسمان الشاوية.
وتجدر الإشارة بأن أراضي الشاوية منفصلة ومتصلة مع دكالة عبر واد أم الربيع، لكن مستقلة في كل ما يتعلق بأزمور وقبائل دكالة.
العمليات التي تمت في الشهر الأخير بزعير وزمور بدا أنها ستنتج عملا دائما في هذه القبائل التي لم يسجل بها أي حادث هام في الأسابيع الأخيرة.
في أواخر شهر فبراير 1913 قدمت ثلاثة مفاريز من البوليس المتواجد في لمعازيز وتيداست وكزاركة، وباغتوا ثوار زعير بهجوم قاده الكولونيل برونلاند وهم محتشدون قبل انطلاقهم.
أما من جهة زمور فمنذ انتصار 27 دجنبر 1912 الذي حققه الكومندار دوفا لي بغابة معمورة لم يسجل أي عدوان جديد بالمنطقة، حيث تتواصل الأشغال في الخط الحديدي (القنيطرة دار بالعامري) تحت حماية محلية.
لكن الوضعية في ناحية مكناس ليست على ما يرام، في الشهر الماضي تم تسجيل تحركات ضد قواتنا جنوب هذه المدينة، بين قواتنا وبني امكيلد وبني امطير الثائرين.
في 15 فبراير تم القيام بهجومين على الدواوير الخاضعة لسلطتنا من قبل بني امطير الثائرين.
يوم 17 أجبرت ثكنة أكوراي على الخروج لنجدة قافلة عسكرية اشتبكت في الطريق بينما كانت قادمة لنفس الثكنة، فدارت معركة قاسية مع المهاجمين فقدنا فيها 10 جرحى.
بعد هذه المعركة بأيام حادث عرضي أدى لغضب 200 خيمة كروانية فرحلت للمنطقة الثائرة في الجنوب، روكي فشتالة وسيدي رحو لم يتركا الأوضاع تستقر مما استوجب اتخاذ إجراءات صارمة لتحقيق التهدئة.
الجنرال ليوطي اجتمع مع الجنرال كورو ودالبيز اللذان استدعيا من فاس ومكناس للرباط واتفقوا على إنشاء دائرة بني امطير، تعهد لضابط مجرب خبير في السياسة الأهلية، فاختير الكومندار هنري قائد الخيالة بالمغرب الغربي المعروف بالحزم والقوة، فأعطي خمسة أفواج لحماية وتغطية المناطق الخلفية لمكناس، وإقامة جبهة توقف تحرك بني امطير، تعتمد المهارة السياسية بجانب القوة العسكرية التي تراعي مصالح السكان وحقوقهم وأمنهم حتى يعودوا لاستقرار في بلادهم.
دائرة بني امطير يجب أن تحد بكروان وعرب سايس شمالا، وجنوبا ببني امكيلد” (ص:118).