معالم على طريق النصر -1- عبد القادر دغوتي

لا يخفى على كل مسلم ما تعيشه أمة الإسلام من أوقات عصيبة، تتعرض فيها لضربات موجعة من أعدائها الذين تكالبوا عليها، واتفقت كلمتهم على ضرورة إعدامها، فلا يزالون ينهالون عليها بعصي الإفقار والتجهيل والتضليل وإشعال نار الفتن والعداوة بين أبنائها وتقسيمهم شيعا يذيق بعضهم بأس بعض…
وها هي أمتنا تعاني جروحا مثخنة، وأمراضا متمكنة، وآلاما شديدة، ودماء غزيرة مسفوحة ضائعة. وها هي تعاني أيضا عقوق بعض أبنائها، ممن رضعوا لبان غيرها، فقطعوا الرحم، وخانوا العهد، وخالفوا دينها واحتقروا قيمها، وكانوا عليها ضدا.
وأمام هذا الوضع، يقف أبناؤها البارون مواقف شتى: منهم موقن أن النصر آت؟ ومنهم من يظن بالله الظنون، ويقول متى هو؟
منهم من يسعى جادا يبحث عن أسباب النصر ويأخذ بها متوكلا على الله حق التوكل، مراعيا سنن الله في خلقه.
ومنهم من غرته الأماني الكاذبة، فاعتزل معترك الحياة وفرط في الأسباب وآثر الراحة تواكلا وتكاسلا.
ومنهم من أقعده اليأس والقنط، وأحبطه التشاؤم، فجلس ينتظر الموت…
فمن المصيب من هؤلاء ومن المخطئ؟
وما طريق النصر؟ وما معالمه التي تدلنا عليه؟

أولا: النصر من عند الله وهو من المؤمنين قريب
إن المؤمن يعتقد يقينا أن النصر إنما هو من عند الله تعالى، فهو الذي يثبت أقدام عباده المؤمنين، ويربط على قلوبهم، ويسدد رميهم، ويلقي الرعب في قلوب أعدائهم…
نقرأ هذه المعاني الصادقة في آيات كثيرة من كتاب ربنا، منها قوله تعالى: “وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى” الأنفال:17، وقوله جل وعلا: “إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان “الأنفال:12، وقوله: “إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين، بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين، وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به، وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم “آل عمران.
وهذا النصر المبين الذي وعده الله عباده المؤمنين قد جعله قريبا منهم. فإن تأخر فإنما لتأخرنا نحن عنه ولابتعادنا عنه، ولأننا نسلك طريقا غير طريقه: كما قال الشاعر:
تبغي النجاة ولم تسلك طريقتها — إن السفينة لا تجري على اليبس 1
فكان لابد لكل فرد من الأمة أن يجتهد في الأخذ بأسباب النصر المباشرة وغير المباشرة، في نفسه وأهله وعمله، وأن يتحرى شروطه فيسعى في تحقيق ما استطاع منها، وأن يسأل عن موانعه فيجتنبها. وعموما أن يتحرى طريق النصر فيسلكه.

ثانيا: معالم على طريق النصر
أ ـ أن ننصر الله تعالى
قال الحق جل وعلا:” يا أيها الذين ءامنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ” محمد:7، فهذه الآية الكريمة توجيه رباني إلى أن استحقاقنا لنصر الله؛ رهين بمدى نصرنا له سبحانه. وكيف ننصر الله؟
– ننصر الله تعالى بتوحيده توحيدا تاما كاملا مبرأ من كل شوائب الشرك الظاهر والخفي.
– ننصر الله تعالى بتحكيم شرعه والاحتكام إليه في كل شأن من شؤون حياتنا الفردية والاجتماعية؛ في خاصة أنفسنا، في بيوتنا مع أهلينا، في شوارعنا وأسواقنا، في مدارسنا ومستشفياتنا ومحاكمنا وفي كل مؤسساتنا. في التربية والتعليم، في الاقتصاد، في السياحة، في السياسة، في الرياضة، في الفن، في الإعلام…الخ.
وإن شرع الله عدل كله، ومصلحة كله، وخير كله، ورحمة كله، في المعاش والمعاد، وأن كل خروج عنه إلى غيره من الشرائع الوضعية شرقية كانت أم غربية؛ هو خروج عن العدل إلى الجور، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الخير إلى الشر، وعن الرحمة إلى الشقاء والعذاب، وهو استبدال للذي هو أدنى بالذي هو خير.
ب ـ نصرة المظلومين والضعفاء والمستضعفين
من المعالم المهمة على طريق النصر، ومن الخطوات الأساسية التي يجب على الأمة أن تخطوها على هذا الطريق: الإحساس بمعاناة المظلومين والضعفاء والمستضعفين، والوقوف بجانبهم، وإسنادهم لأخذ حقوقهم من مغتصبيها. قال جل وعلا:” ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا “النساء:74 وقد نبه النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم أمته إلى أن القيام بأمر الضعفاء والإحسان إليهم لمن أسباب النصر. قال عليه الصلاة والسلام:” أبغوني ضعفاءكم؛ فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم2″.
ولعل دعوة صادقة من مؤمن ضعيف، يسدد الله بها الأمة ويثبت بها أقدامها على طريق النصر، فقد قال عليه الصلاة والسلام: “رُبَ أشعث أغبر مدفوع بالأبواب؛ لو أقسم على الله لأبرَه 3″وهو مدفوع بالأبواب لفقره.
– فلابد للأمة أن ترحم ضعفاءها وتتعهدهم بالإحسان، قال رب العزة جل وعلا:” واخفض جناحك للمؤمنين “الحج:88.
– ولابد لها أن تكفل أيتامها وتطعم مساكينها وتحض على ذلك، قال الرب الكريم سبحانه: “أرأيت الذي يكذب بالدين، فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين “الماعون: 1ـ3، وقال نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم: “الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله4، وقال صلى الله عليه وسلم: “الَهمَ إني أُحرَجُ حق الضعيفين: اليتيم والمرأة5”.
ومعنى قوله عليه الصلاة والسلام: أُحرج: أُلحق الحرج؛ وهو الإثم، بمن ضيع حقهما، وأُحذَرُ من ذلك تحذيرا بليغا، وأزجرُ عنه زجرا أكيدا.6
– ولا بد لها أن تنصر مظلوميها، وترفع عنهم الظلم وتوقف الظالم عند حده وتضرب على يده. قال عليه الصلاة والسلام: “أنصر أخاك ظالما أو مظلوما. قالوا: يا رسول الله هذا ننصره مظلوما، فكيف ننصره ظالما؟ فقال: تأخذ فوق يديه7”. وفي رواية: “تحجزه أو تمنعه من الظلم؛ فإن ذلك نصره”، وعنه صلى الله عليه وسلم: “إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعُمهم الله بعقاب منه”8.
– وأيضا لابد للأمة أن تداوي مرضاها وتوفر لهم الدواء اللازم للوقاية والعلاج، وأن تُعلَم أبناءها صغارا وكبارا رجالا ونساء، وتنشر بينهم العلم النافع لهم في معاشهم ومعادهم، وتدفع عنهم أباطيل المبطلين وشبهات وتلبيسات المغرضين الحاقدين.
ج ـ الانتصار على الدنيا
إن الدنيا على دناءتها وحقارتها عند الله تعالى، إذ لا تساوي عنده جناح بعوضة؛ فإنها مع ذلك فتانة خداعة تفتن بزخرفها من يميل ويركن إليها ويملأ قلبه بها.
لذلك حذر الله ورسوله منها، قال جل وعلا: “يا أيها الناس إن وعد الله حق، فلا تغرنكم الحياة الدنيا، ولا يغرنكم بالله الغرور” فاطر: 5.
وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم:” الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها؛ فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء ؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء9″.
ــــــــــــــــــ

1 ـ ديوان الإمام الشافعي. ص 252 .
2 ـ صحيح البخاري. الحديث 108.
3 ـ صحيح مسلم. الحديث2622.
4 ـ صحيح البخاري. رقم 6007.
5 ـ صحيح رياض الصالحين. باب ملاطفة اليتيم والبنات وسائر الضعفة والمساكين… رقم 264. .
6 ـ نفسه.
7 ـ صحيح البخاري. الحديث 2444.
8 ـ سنن الترمذي. رقم 2168. وقد صححه الألباني في تعليقاته على سنن الترمذي.
9 ـ صحيح مسلم. رقم 2742.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *