الأجوبة الشافية عن الأسئلة المصيرية -8- ذ. عبد اللطيف الخيالي

يضيف الباحث (الدكتور موريس بوكاي) جزاه الله كل خير: أما الكتاب المسيحي المقدس فإنه يختلف بشكل بين عما حدث بالنسبة للإسلام. فالإنجيل يعتمد على شهادات بشرية متعددة وغير مباشرة. وإننا لا نملك مثلا أي شهادة لشاهد عيان لحياة عيسى1.
في موضع آخر يقول: ولقد رأينا في الفصل السابق أن التوراة تحتوي على أخطاء ذات طابع تاريخي، وذكرنا بعض هذه الأخطاء مما اكتشفه عدة مفسرين يهود ومسيحيين2.
أما من الناحية العلمية فيصرح هذا الكاتب بما يلي: وبفضل الدراسة الواعية للنص العربي استطعت أن أحقق قائمة أدركت بعد الانتهاء منها أن القرآن لا يحتوي على أية مقولة قابلة للنقد من وجهة نظر العلم في العصر الحديث. أما بالنسبة للعهد القديم فلم تكن هناك حاجة للذهاب إلى أبعد من الكتاب الأول – أي سفر التكوين – فقد وجدت مقولات لا يمكن التوفيق بينها وبين أكثر معطيات العلم رسوخا في عصرنا. وأما بالنسبة للأناجيل فما نكاد نفتح الصفحة الأولى منها حتى نجد أنفسنا دفعة واحدة في مواجهة مشكلة خطيرة ونعني شجرة أنساب المسيح3.
إن ما قاله الدكتور “بوكاي” سبق إليه القرآن وذكره في أكثر من موضع، فكل من النصرانية واليهودية لحقهما التحريف، خاصة في أهم جوانب الدين، ألا وهي العقيدة، التي إذا فسدت كان لذلك الأثر الكبير على فساد الدين. ومن أمثلة ذلك:
1- كل منهما ادعت أن الله اتخذ ولدا – تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا ـ وهو ادعاء أخبرنا به سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: “وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ” التوبة 30-31.
كم قال سبحانه وتعالى: “وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدا” ورد عليهم مستنكرا ذلك بأسلوب بليغ فيه من التقريع ما فيه: ” لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً” مريم 89-94.
ما ينبغي لمالك السماوات والأرض وما فيهن أن يتخذ ولدا؛ لأنه ليس كمثله شيء سبحانه.
2- يعتقد اليهود والنصارى أنهم أبناء الله وأحباؤه. وقد عقب القرآن على قولهم هذا، حيث قال سبحانه: “وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ” المائدة 20.
ومن أكبر الأخطاء التي ارتكبها أحبارهم ورهبانهم كتمان حقيقة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، كما هو مكتوب عندهم في التوراة والإنجيل، مصدقا لقوله سبحانه:
“الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ” الأعراف 157.
لم يكتفوا بكتمان الحق، بل حاربوا النبي محمدا صلى الله عليه وسلم والدين الذي جاء به، وهم على يقين أنه الحق. ولما لم يفلحوا في القضاء على الدين الجديد، نشروا الأكاذيب والافتراءات والخرافات، لتشويهه والمس بنموذجه الأعلى، المتجسد في نبيه صلى الله عليه وسلم، وهو ما ولد تصورا مغلوطا لدى الغربيين عن الإسلام والمسلمين، ما زال مرسخا في عقول الكثير منهم إلى يومنا هذا، وسيظل العالم يدفع ضريبته ما لم يصدع أهل الصدق بالحق كي يصل إلى آذان أولئك الذين ملئت عقولهم بالخرافات والأباطيل، المغرر بهم، أصحاب العقول الساذجة التي أنتجتها الحضارة المعاصرة.
يقول الأديب الكبير” توماس كرليل” في كتابه الأبطال: لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد متدين من أبناء هذا العصر أن يصغي إلى ما يظن من أن دين الإسلام كذب، وأن محمدا خداع مزور، وآن لنا أن نحارب ما يشاع من مثل هذه الأقوال السخيفة المخجلة، فإن الرسالة التي أداها ذلك الرسول مازالت السراج المنير مدة اثني عشر قرنا لنحو مائتي مليون [المسلمون اليوم أكثر من مليار] من الناس أمثالنا خلقهم الله الذي خلقنا أفكان أحدكم يظن أن هذه الرسالة التي عاش بها ومات عليها هذه الملايين الفائقة الحصر والإحصاء كذبة وخدعة؟ أما أنا فلا أستطيع أن أرى مثل هذا الرأي أبدا، ولو أن الكذب والغش يروجان عند خلق الله هذا الرواج، ويصادفان منهم مثل ذلك التصديق والقبول، فما الناس إلا بله ومجانين، وما الحياة إلا سخف وعبث وأضلولة… فوا أسفاه! ما أسوء مثل هذا الزعم وما أضعف أهله وأحقهم بالرثاء والمرحمة. (وبعد) فعلى من أراد أن يبلغ منزلة ما في علوم الكائنات ألا يصدق شيئا ألبتة من أقوال أولئك السفهاء! فإنها نتائج جيل كفر، وعصر جحود وإلحاد، وهي دليل على خبث وفساد الضمائر وموت الأرواح في حياة الأبدان، ولعل العالم لم ير قط رأيا أكفر من هذا وألأم…4.
يضيف في موضع آخر من كتابه: “كلا ما محمد بالكاذب ولا الملفق وإنما هو قطعة من الحياة قد تفطر عنها قلب الطبيعة، فإذا هي شهاب قد أضاء العالم أجمع. ذلك أمر الله وذلك فضل الله يوتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم وهذه حقيقة تدمغ كل باطل وتدحض حجة القوم الكافرين”5.
هذه شهادة رجل كبير له وزنه عند العدو قبل الصديق؛ لأن الله يقيض للحق من يدافع عنه ولو من بين أعدائه، فهو القائل سبحانه:
“وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ” غافر 28.
وهذا رجل آخر صدع بكلمة الحق، إنه الفيلسوف تولستوي الذي رفض جائزة نوبل عندما منحت له، يقول: وإذا كان انتشار الإسلام بصورة كبيرة على يد هؤلاء لم يرق بعضا من البوذيين والمسحيين فإن ذلك لا ينفي حقيقة أن المسلمين اشتهروا في صدر الإسلام بالزهد في الديانة الباطلة، وطهارة السيرة، والاستقامة والنزاهة، حتى أدهشوا المحيطين بهم بما هم عليه من كرم الأخلاق، ولين العريكة والوداعة، ومن فضائل الدين الإسلامي أنه أوصى خيرا بالمسيحيين واليهود لاسيما القساوسة الأولين، فقد أمر بحسن معاملتهم ومؤازرتهم حتى أباح هذا الدين لأتباعه التزوج من المسيحيات واليهوديات، مع الترخيص لهم بالبقاء على دينهم، ولا يخفى على أصحاب البصائر النيرة ما في هذا من التساهل العظيم، ومما لا ريب فيه أن النبي محمدا صلى الله عليه وسلم من عظام المصلحين الذين خدموا الهيئة الاجتماعية خدمة جليلة، ويكفيه فخرا أنه هدى أمة برمتها إلى نور الحق، وجعلها تجنح للسكينة والسلام، وتفضل عيشة الزهد ومنعها عن سفك الدماء، وتقديم الضحايا البشرية وفتح لها طريق الرقي والمدنية وهو عمل عظيم لا يقوم به إلا شخص أوتي قوة، ورجل مثل هذا جدير بالاحترام والإكرام6.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
– المرجع نفسه، ص: 15.
2- المرجع نفسه، ص: 42.
3- المرجع السابق، ص: 17.
4- توماس كرليل، الأبطال، ص:53.
5- المرجع نفسه، ص:55.
6- تولستوي، حكم النبي محمد، ص:12- 13.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *