حوار اسيدون

 

 

1-لماذا تطرح الإدارة الأمريكية، في شخص رئيسها دونالد ترامب، “صفقة القرن” في هذه المرحلة بالضبط؟

قبل المرور إلى خاصية الظرف وخاصية هذا الرئيس، لا بد من التذكير بحقيقة عامة، ألا وهي أن الولايات المتحدة هي الحامية الاقتصادية والسياسية والديبلوماسية والعسكرية لإسرائيل.

لا ننسى مثلاً أن أوباما – وهو من الحزب الديموقراطي – قام (قبل مغادرته للبيت الأبيض ب4 أشهر) بتمرير قرار خطير، يحدد المساعدة الأمريكية لإسرائيل بالنسبة للسنوات 2019-2028 في مبلغ 38 مليار دولار. إنها مساعدة رامية صراحة إلى ضمان التفوق العسكري لإسرائيل في المنطقة. والجدير بالذكر أنها أكبر مساعدة من الولايات المتحدة لبلد واحد في تاريخها. معناها أن الارتباط بين أمريكا وإسرائيل ارتباط عضوي – على الأقل في هذه المرحلة التاريخية. وهذه العلاقة ليست متعلقة بلون الانتماء السياسي للرئيس الأمريكي. إسرائيل هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي يتعلق وجودها كدولة بالمظلة الأمريكية (والأوروبية). وبالمقابل هي الضامنة الاستراتيجية لمصالح الإمبريالية الغربية في منطقة الشرق الأوسط (النفط والطرق والممرات…). إن ما سبق ذكره من البديهيات، لكن لا بد، بادئ ذي بدء وقبل الدخول في خصوصية الظرف، من التذكير بالصورة العامة ومن التأكيد على بعض خاصياتها الأساسية ها.

أما خاصية ترامب في الموضوع هي أنه ليس جمهورياً فحسب، بل هو مرتبط بالطائفة الإنجيلية ارتباطاً استراتيجياً. إنهم يشكلون كتلة انتخابية مهمة جداً، وهي التي مكنت ترامب من الفوز في انتخابات 2016. حيث أن الإنجيليين هم ربع سكان الولايات المتحدة وأن 81 بالمئة منهم صوتوا لصالح ترامب.

والإنجيليون هم صهاينة (صهاينة مسيحيون)، ويعتبرون أن التعجيلبيوم القيامة متعلق باستيطان اليهود (كل يهود العالم) بفلسطين، وفي أوسع حدودها. هذا هو إيمانهم الراسخ. إنهم صهاينة، مثلهم مثل كل من يدافع عن النظرية السياسية القائلة بأن لليهود (كطائفة دينية) حق على أرض فلسطين. وهذا موقف يشاطره الصهاينة المسيحيون (الإنجيليون) مع أطراف أخرى من الصهاينة اليهود أولا، وأيضا مع الصهاينة من ديانات ومشارب فكرية أخرى. فارتباط ترامب بالإنجيليين يجعله من أشرس المدافعين عن محتلي فلسطين، الشيء الذي يفسر مثلاً أنه هو الرئيس الذي تجرأ على تطبيق القرار الأمريكي القديم المتعلق بالقدس، والاعتراف بها كعاصمة للاحتلال الصهيوني لفلسطين.

هذا فيما يخص خاصية ترامب كرئيس. فما هي خاصيته كمرشح؟

هي خاصية الظرف الداخلي: فمن البديهي أنه في هذا الظرف الانتخابي، وبالخصوص لأن المعركة الانتخابية دقيقة جداً وغير محسومة مسبقاً، يصبح كسب الكتلة الإنجيلية رهانا حاسما بشكل مضاعف. الشيء الذي يدفع ترامب إلى استمرار في تعميق نهجه في نفس الاتجاه الذي أدى إلى الاعتراف بضم الجولان وبالقدس كعاصمة لدولة احتلال فلسطين. وهذا بغض النظر إلى قناعات ترامب الشخصية التي تجمعه بأنظمة مثل نظام البرازيلي الحالي ونظام هنغاريا اللذان يمثلان أشرس الأنظمة الغربية في الدعم لدولة الاحتلال…

والخاصية الأخرى المهمة تهم الظرف الجيو-استراتيجي في منطقة الشرق الأوسط وهي أن التناقض الرئيسي هو بين الولايات المتحدة وإسرائيل والأنظمة الرجعية في المنطقة من جهة، وإيران وحلفائها (وبالأخص حزب الله اللبناني) من الجهة الأخرى. كما أن الولايات المتحدة وإسرائيل والأنظمة الرجعية في المنطقة يرون في إيران وحلفائها أعداءهم الرئيسيين. وصفقة القرن ماهي إلا إعادة ترتيب القوى في المعسكر الأمريكي الصهيوني بربط أطراف من الرجعية العربية ربطا قويا بالمخطط، على أساس أن هذه الأخيرة تعتبر بدورها أن إيران تشكل خطرا رئيسيا على استمرار وجودها.

2-ما هي المصالح التي ستتحقق بإقرارها لكل من “الولايات المتحدة الأمريكية” و”الكيان الصهيوني”؟

قبل وصف الكيفية التي تحقق بها صفقة القرن طموحات الاحتلال الصهيوني لفلسطين، يجب التسجيل أنها، أولاً وقبل كل شيء، مناورة سياسية أمريكية لإعادة ترتيب القوى في المنطقة لبناء كتلة بينها وبين إسرائيل وجميع الأنظمة الرجعية في المنطقة. إنها كتلة موجهة أساساً ضد مصالح الشعوب في المنطقة (وعلى رأسها: الشعب الفلسطيني)، وضد طموحاتها في التحرر والانعتاق، وهي تأخذ شكل تحالف سياسي عسكري ضد أيران وحلفائها. هذا هو جوهر الاستراتيجية الأمريكية.

أما فيما يخص المكتسبات التي تحصدها دولة الميز العنصري والاستعمار الاستيطاني التي تحتل فلسطين، فهي متجلية في شرْعَنَة الاستيطان بضم رسمي لجزء من الضفة، والاستيلاء على أغوار الأردن. وفي نفس الوقت، فهي تتجلى في كسب التزكية من الأنظمة الرجعية في المنطقة لنظامها العنصري، وللاستمرار ولممارستها للتطهير العرقي وللاستيطان ولتهويد القدس وللتطويق والإبادة البطيئة للشعب الفلسطيني في غزة.

ولا بد في الختام من التأكيد على أن شعوب المنطقة (وعلى رأسها الشعب الفلسطيني) ترفض كل هذه المناورات، ويجب أيضاً التذكير بأن سنوات من التطبيع لم تغير مواقف الشعب المصري والشعب الأردني من الصهيونية. وعلاوة على الشجب الذي عبرت عنه القوى الحية في سائر ابلدان المنطقة، فقد نُظِّمت تظاهرات في البحرين وفي المغرب رغم صعوبات ظرف الجائحة. وعكس ما كانت تنتظر أمريكا وإسرائيل، بدل ظهور طرف فلسطيني شريك في هذه المؤامرة، فإن الفصائل الفلسطينية قد شرعت في خطواتها الأولى من أجل إعادة بناء وحدتها الوطنية، وهذه خطوات حبلى بتطورات جديدة في المنطقة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *